علاقة واشنطن بتيارات الإسلام السياسى فى مصر والعالم كله تحتاج لدراسات تحليلية مستفيضة، حتى نعلم ما يدور حولنا بشكل جيد، وحتى تتضح الرؤية، ومن الواضح منذ انهيار حكم مبارك أن واشنطن تولى كل الاهتمام للإخوان المسلمين دون غيرهم من القوى السياسية الأخرى فى مصر، لدرجة أن رجل الأعمال نجيب ساويرس سافر خصيصا لواشنطن أثناء انتخابات الرئاسة ليعاتب الأمريكان على اهتمامهم الزائد بالإخوان دون غيرهم،على حد قوله هو فى لقاء تليفزيوني، وعندما تحدثنا من قبل عن العلاقات الوثيقة والقديمة بين جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وواشنطن اتهمنا البعض بالفكر التآمرى، رغم أننا تناولنا هذه العلاقات فى تطورها التاريخى منذ الستينات من القرن الماضى، وهروب قيادات الجماعة خارج مصر، ثم عودتهم بأوامر من الرئيس الراحل أنور السادات وبمشورة من المستشار الأمريكى كيسنجر الذى اعترف بذلك لمواجهة المد اليسارى والقومى الناصرى، ومنذ ذلك الحين وواشنطن تدعم الإخوان فى مصر بشكل واضح، ونتذكر دفاع منظمة "هيومان رايتس ووتش" الأمريكية عن المعتقلين الإخوان دون غيرهم فى عهد مبارك.
مناسبة هذا الحديث هو تقرير أخير صادر عن مركز "بروكينجز" الأمريكى، ونشرته مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية الأسبوع الماضى، ويعد مركز "بروكينجز" من أهم مراكز الأبحاث الأمريكية التى تشارك فى صنع القرار، ويرأسه ستروب تالبوت الذى كان يشغل منصب النائب الأول لوزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت فى إدارة الرئيس كلينتون، وتضم هيئة مستشارين المركز نخبة من كبار السياسيين الأمريكيين مثل الوزيرة أولبرايت، والمستشار بريجنسكى، وصامويل بيرغر، وغيرهم من كبار صناع السياسة الأمريكية.
تقرير مركز بروكينجز يتهم بشكل مباشر كافة القوى السياسية فى مصر، (ما عدا الإخوان المسلمين) بأنهم أعداء للديمقراطية الوليدة فى مصر، وأنهم متكالبون على السلطة، وأنهم يغارون من الإخوان المسلمين الذين تدعمهم واشنطن من منطلق "تعزيز الديمقراطية"، شىء غريب للغاية أن يعتبرالأمريكيون الليبراليين أعداء الديمقراطية والإخوان المسلمين هم أنصارها، ويتهم التقرير الليبراليين المصريين بالغرق فى نظرية المؤامرة لأنهم يتوهمون وجود علاقات خفية بين واشنطن وجماعة الإخوان، ويقولون أنهم وصلوا للحكم والسلطة فى مصر بدعم أمريكى.
الحقيقة أن قضية دعم واشنطن للإخوان لم تثار على الساحة فى مصر بالشكل الذى يبرزه تقرير مركز بروكينجز، ولكن على ما يبدو أن "المريب يكاد يقول خذونى"، وسبب هذا التقرير الأساسى هو الاستقبال السىء للوزيرة الأمريكية كلينتون فى مصر منتصف يوليو المنصرم، ومن الأسماء الواردة فى التقرير لبعض الشخصيات الليبرالية المصرية الذين يهاجمهم التقرير ويتهمهم بالانحراف عن الديمقراطية، عمرو حمزاوى وأبو العز الحريرى وأسامة حرب وعماد جاد وغيرهم، مما يعنى أن التقرير يقصد بالليبراليين كافة القوى السياسية الأخرى فى مصر، حتى الأقباط المصريين ضمهم التقرير لليبراليين، لا لشىء إلا لأنهم استنكروا فى بيان لهم لقاءات الوزيرة كلينتون بقيادات الإخوان والسلفيين.
ويؤكد التقرير أن دعم واشنطن للإخوان هو دعم للديمقراطية الوليدة فى مصر ودعم للأغلبية، ويتجاهل التقرير تماما ما حققته التيارات السياسية الأخرى فى الانتخابات من نتائج لم يكن الإخوان يمثلون الأغلبية فى مرحلتها الأولى، ولا حتى ربعها، ويعلم الأمريكان جيدا أنه لولا تأييد الليبراليين لمرشح الإخوان فى المرحلة الثانية نكاية فى شفيق مرشح النظام السابق لما نجح مرشح الإخوان، كما يتجاهل التقرير الحراك السياسى والثورى الكبير فى الشارع المصرى الرافض للاستحواذ الإخوانى على كافة مراكز السلطة والحكم فى مصر، والغريب فى الأمر أنه ليس من عادة السياسة الأمريكية، التى نعرفها تهتم كثيرا بالتيارات الأخرى المعارضة فى أية دولة، وتطالب النظام الحاكم بالتعامل معها واحترام إراداتها، أن تؤيد بشدة تيار واحد ضد كافة التيارات الأخرى، لأن هذا فى حد ذاته يهدم شعار الديمقراطية الأمريكية، لكن فى مصر الأمر يختلف، والديمقراطيون فى نظر واشنطن هم الإخوان فقط دون غيرهم.
هذا التقرير يعنى أن واشنطن ستضع كل رهاناتها فى المرحلة القادمة على الإخوان المسلمين لتحقيق مصالحها، وليس من المستبعد أن تساعدهم فى ضرب القوى السياسية الأخرى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مصري
المؤامرة تتكشف
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو ابراهيم
كم عدد الليبراليين؟
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
مقال غريب فعلا
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamed لاشقشنشف
الحقيقه لماذا لم تعترفوا بالديمقراطيه ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف
نهارك ابيض