حنان حجاج

إلى الدكتورة أميمة كامل قبل أن تحملى أوراقك إلى السيد الرئيس

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012 04:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نصف سكان مصر من النساء، %49.3 من سكان هذا البلد يحملن لقب امرأة، النصف الذى ينجب، النصف الذى يربى ويخدم، النصف الذى يعيل 35% من سكان البلد برجالها وشبابها وأطفالها.

عن نساء مصر، عن فاطمة ومريم والأم الأولى إيزيس أكتب… عمن تحدثت عنهن دكتورة أميمة كامل الأسبوع الماضى فارتبكت وقالت «لا أعرف» عندما سئلت عن الواقع.. بينما أفاضت وأربكت وأثارت زوبعة عندما أفتت فى ملف مخجل هو نتيجة متوقعة وطبيعية للملفات الحقيقية لقضايا المرأة المصرية.

تحدثت مسؤول ملف المرأة لدى رئيس الجمهورية عن الختان، وقالت ما سبب الصدمة للكثيرين، ولم تكن تعلم عن القانون الذى يمنع الختان، وأسهبت عما ستنصح به الرئيس فى نفس الموضوع فأربكت أكثر وأثارت مزيدا من الزوابع وأعادتنا لنقطة الصفر، كما يقولون، لكنها لم تقترب من الملف الحقيقى لنساء مصر اقتطعت ورقة من الملف ووضعت عليها بصمتها ولم تفتح الملف أو بمعنى أدق ربما لم تقرأه حتى الآن.

عن نساء مصر أتحدث، عمن يفترض أن تحمل ملفهن الدكتورة أميمة كامل مستشار الرئيس لشؤون المرأة أتحدث عن نساء بلد يأتى ترتيبه حسب التقرير الأخير للتنمية البشرية الذى تعده الأمم المتحدة فى المركز الـ113 بين 192 دولة فى سلم التقدم والتنمية، ويأتى تصنيفها فى درجة تحقيق التقدم باعتبارها دولة متوسطة، أى قبل ما يتم تصنيفهم باعتبارهم دول متأخرة مباشرة.

عن دولة يعانى نصف سكانها «حسب التقرير الأخير لعام 2011» من الحرمان من خدمات الصرف الصحى التى تعنى بشكل مباشر اكتساح مرضى لأطفال ونساء وخاصة أمراض الجهاز الهضمى وعلى رأسها النزلات المعوية وأمراض الكبد، عن متوسط سنوات دراسة يبلغ «%6.4» سنة لكل سنوات التعليم أى ما يوازى المرحلة الابتدائية فقط بينما تسبقنا الجزائر وفيجى ودولة سامو ومنغوليا، بينما يصل معدل الإلمام بالقراءة والكتابة لـ«%66.4» من عدد السكان وعدد الأميين لـ(33.6%) من السكان (الثلثين) منهم النساء أى أن عدد النساء الأميات فى مصر ضعف عدد الرجال، حسب تقديرات اليونيسيف ودراسات المجلس القومى للمرأة، هى المرأة التى تدفع دائما فاتورة الفقر الحلقة الأضعف كما يسميها علماء الاجتماع.

عن الفقر الذى يصل فى صعيد مصر إلى %45.3 وتدفع ثمنه فى الأساس النساء من تعليمهن وصحتهن ووعيهن.. عن أطفال يبلغ عددهن 7 ملايين و300 ألف طفل يعانون الفقر لم يأتوا من الهواء، ولكن أيضا من أسر فقيرة مثلهن، عن %35 من الاسر المصرية التى تعيلها النساء الاتى اعتدنا الشقاء منذ طفولتهن المبكرة التى لم تعرف نعومة الأظافر وكانت رحلات سيارات النصف نقل التى تجمعهن فجرا للذهاب للحقول البعيدة لجمع المحاصيل بديلا لسيارات المدارس، هى الطفلة عندهن وما إن تنتهى سنوات الطفولة حتى تبدأ سنوات شقاء آخر يبدأ أيضا مبكرا جدا، بزواج يخطف ما تبقى من الطفولة قد ينتهى هو بدوره لتحويلها لخادمة فى البيوت لتعيل أسرة هاجر رجلها ولم يعد أو أقعده المرض أو أخذه الموت، لتجد أم العيال نفسها مسؤولة عن بيت كامل لا تملك سوى صحتها لتعيله بعد أن فقدت فى رحلة الفقر كل سلاح كان يمكن أن تستخدمه فى معركتها تلك، وبعد أن أصبحت خدمة البيوت حتى خارج مصر مجازة قانونا بقرار وزيرة لم تع أن دورها أن تمد يد العون لا أن تتحول لموردة للخادمات لدول الخليج. وعندما جاءت الثورة لم ينصفها أحد وكل ما فعله مجلس الشعب هو إصدار قانون بإلحاق المرأة المعيلة بمظلة التأمين الصحى وهو القانون الذى لا نعرف هل تم إقراره فعلا وهل بدأت هيئة التأمين الصحى فى تطبيقه وكم امرأة ألحقت به.

عن خريطة صحية لنساء مصر خلت منها أغلب تقارير التنمية البشرية مع كتابة ملحوظة فى الهامش تقول «لم تقدم لنا الدولة محل الدراسة البيانات اللازمة» عن أمية المرأة التى أصبحت وكأنها حلقة مفرغة لا تنتهى من الثلاثية الدائمة الفقر والجهل والمرض عن حلقات تجمع المرأة المصرية فى ريف مصر وعشوائيات مدنها عن عالم كان ينتظر طبقا لميثاق الألفية أن تتحقق المساواة فى فرص التعليم بين الجنسين، بينما ومع وجود نسبة الأمية العالية أصلا فى مصر، نجد أن بعض محافظات الصعيد لا تزيد نسبة إلحاق البنات فيها بالتعليم عن %15 فى التعليم الابتدائى، وتتسرب سنويا حوالى ٥٥ ألف طفلة من التعليم ولا يسأل أحد لماذا بينما لا تدخل ٥٥ ألف فتاة المدرسة سنويا رغم وصولهن لسن الدخول لتصل فى النهاية نسبة الأمية بين نساء بعض قرى ريف مصر لحوال %63 لا يقرأن ولا يكتبن أصلا حسب إحصائيات الجهاز التنفيذى لمحو الأمية.

بينما تشير إحصائيات اليونيسيف «منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة» إلى أن حوالى 560 ألف فتاة بين سن الـ6 - 11 عامًا غير ملتحقات بالمدارس أصلا، وأخيرا نتحدث عما يقارب مليون امرأة دخلن دائرة الأمية فى السنوات العشر الأخيرة فقط.

بينما لا أحد يعلم ما هو مصير المشروع المتميز الذى دعمته الأمم المتحدة عبر اليونيسيف وعدد من الهيئات الهامة لإقرار مشروع المدارس الصديقة للفتيات الذى بدأ منذ حوالى خمس سنوات بافتتاح عدد من المدارس فى محافظات الفيوم وبنى سويف، وكان يتوقع أن يصل لأكثر من 5119 مدرسة للفتيات فقط من المتسربات من التعليم، ويقدم حوافز جيدة لدفع الأهالى لإلحاق بناتهن بالتعليم، وهو المشروع الذى صاحبه شو إعلامى ضخم للسيدة حرم الرئيس المخلوع باعتبارها راعية التعليم الأولى، وانتهى الشو بافتتاح حوالى 1500 مدرسة ومازال اليونيسيف يسعى لاستكمال المشروع الذى كان من المفترض أن يتم عام 2007 بينما الرسميون فى مصر فى سباتهم يتحدثون فى مجلس الشعب الذى تم حله عن خفض سن الزواج، وإلغاء الخلع، ومشروعية الختان.

عن الألف قرية التى حدثنا عنها وزراء تخطيط واقتصاد النظام السابق باعتبارها الأكثر فقرا والتى مازالت على فقرها رغم أننا نسمع عن خطط تنميتها منذ أكثر من سبع سنوات عندما بدأت قصة الألف قرية، وكأنها قصة ألف ليلة وليلة التى يتسلى بها الجميع، بينما يعيش سكانها تحت خط الحياة، ويهجر رجالها البيوت لأرصفة المدن التى لا ترحم الفقراء أو سفن الموت التى أصبحت متعهدة رسمية لتوريد الجثث لقاع البحر يرحل الرجال ويتركون الفقر والمسؤولية والأفواه المفتوحة للنساء ليدفعن بمفردهن الفاتورة الثقيلة وتحمل المزيد من النساء اللقب «امرأة معيلة»، بينما اكتفت الدولة وهيئاتها الرسمية وعلى رأسها المجالس العليا بأنواعها أعلى للمرأة وأعلى للأمومة والطفولة وأعلى لحقوق الإنسان اكتفت بالتقارير وحفلات الاستقبال للهيئات الدولية المانحة والدراسات الباردة التى تقدم أرقاما لا تعرف ألم النساء المكافحات، وتركت الدولة مسؤوليتها الحقيقية لمواجهة الفقر لجمعيات وهيئات خاصة تقدم لهن خدماتها كما انتقت نوعية تلك الأعمال، ظللنا لسنوات نتحدث عن الفقر والفقراء لكننا لم نفعل لهم شيئا تركنا مليون طفل مصرى بدون صرف صحى حسب تقارير الأمم المتحدة والنتيجة آلاف الضحايا لأمراض التلوث وآلاف القلوب التى أدماها الحزن لأمهات صغيرات.

عن دولة ظلت لسنوات تعيش خارج سياق الحق.. حق البشر وعلى رأسهم النساء أن يعيشوا أتحدث عن برامج تحمل اسم برامج الحماية الاجتماعية، أتحدث عن بنجلاديش التى تبنت برنامج تنمية الأصول، وحولت فقراءها لأصحاب ثروات حيوانية، الهند التى حولت برنامج المهاتما غاندى لسفينة نجاة من الفقر المدقع فى ريف الدولة المترامية الأطراف وبرنامج تنمية مهارات الفرص فى المكسيك، لم تحدثنا الدولة التى كانت هنا قبل شهور عن برنامج مصرى نحلم به للحماية الاجتماعية وللأسف لم يحدثنا النظام القائم الآن، بينما مازال الرجال يهربون بإحباطهم والنساء يتحملن مزيدا من المسؤولية.

أحدثكم عن الأمهات الصغيرات اللاتى يتحولن لزوجات فى الثانية عشرة فى تجارة رقيق جديدة دفعت بالتقارير الدولية التى كانت السفيرة مشيرة خطاب تطل علينا وكأنها تعلن فتحا عظيما لتخبرنا أنهم أدرجونا ضمن قائمة الدول التى تصنف باعتبارها ناشطة فى مجال الاتجار بالبشر، عن الجيزة التى أصبحت بعض قراها مركزا إقليميا للزواج السياحى بأثرياء السعودية والخليج بعقود ورقية تباع بمقتضاها قاصرات مصريات بعجائز الخليج.. أحدثكم عن «طموة، وأم خنان، والشيخ عثمان، والحوامدية» التى وصلت نسبة زواج القاصرات بها لحوالى %47 حسب تقديرات مصرية رسمية أو عن قرى الصعيد التى تتزوج نصف بناتها قبل الوصول للسن القانونية بل تبلغ نسبة زواج الأطفال دون سن 16 بها حوالى 15% ومازال زواج الإشهار- بدون أى أوراق رسمية موجودا بها ربما تزورهم يوما دكتورة أميمة ليكونوا ضمن صفحات ملف المرأة المصرية وتكتب أمامهم عاجل وهام.

عن المرأة المصرية يمكن أن نتحدث طويلا، ولن أنسى أروع مشهد يمكن أن تراه عينك فى الثانية والنصف ظهرا عندما يخرج أكثر من 20 ألف عامل وعاملة من البوابة الكبرى لمصنع غزل ونسيج المحلة الكبرى وقتها لو نظرت فى وجوه تلك العاملات والموظفات البسيطات ستعرف أنهن أنفسهن من كن يخرجن فجرا للحقول القريبة لجنى القطن، وهن أنفسهن من كن يحاربن للاستمرار فى المدرسة، قبل أن تخطفهن أيادى الفقر بعيدا وهن أنفسهن فقيرات القرى اللاتى يجلسن على رصيف مستشفى أبو الريش ينتطرن دورهن فى علاج الصغير الذى يدفع بلا ذنب فاتورة الفقر التى ورثها عن الآباء.

عن المرأة المصرية التى لا تملك إلا أن تقول لها ما أروعك رغم الفقر رغم المرض رغم الجهل، هذا بعض من كل.. فهل يعرفها الرئيس؟








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة