خرج فاروق حسنى من الوزارة فى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وجلس هادئاً بمنزله وسط لوحاته الفنية وكتبه ومذكراته التى شرع فى كتابتها، ولم يهرب إلى خارج البلاد مثلما فعل غيره من بعض رجال النظام السابق - على الرغم من سنوح الفرصة له بذلك - وظلت مكانته محفوظة بين المثقفين والمبدعين لسبب بسيط يكمن فى أنه لم يكن فقط وزيراً للثقافة وإنما فنان فى المقام الأول تم تعيينه وزيراً للثقافة.
وبعد مرور شهرين على الثورة وبعد أن تم فتح باب التحقيقات مع معظم رجال النظام السابق، وبعد أن سُجن الجميع وفى مقدمتهم رأس النظام الرئيس السابق حسنى مبارك ونجلاه تم استدعاء فاروق حسنى للتحقيق معه فى أكثر من بلاغ يتهمه بالفساد والسرقة وخلافه «بلاغات ثبت أنها كيدية»، وتوقع الجميع حينها أن يتم حبسه على غرار زملائه خاصة أنه أطولهم فترة مكوث فى المنصب وفرص اصطياد أى خطأ له كبيرة، بالإضافة إلى أن المتربصين به كثيرون للغاية وكم تمنوا أن يسقط فاروق حسنى لينالوا منه وينتقموا لكل موقف شجاع أخذه على مدار سنوات عمله فى الوزارة، وما أكثر مواقفه الشجاعة التى فيما يبدو أنه سيدفع فاتورتها الآن!! وكانت الصدمة للجميع حيث أخلى سبيل حسنى بعد تحقيقات امتدت لساعات طويلة وخرجت الصحف فى اليوم التالى تتصدرها صوره، وكتبت أن الوزير السابق قدم جميع الدلائل على سلامة موقفه وذمته المالية، إلا أن النائب العام أدرج اسمه ضمن قوائم الممنوعين من السفر لحين البحث والتحقق من بعض البلاغات وندب الخبراء، وما إلى ذلك من إجراءات روتينية.. وفى مفاجأة من العيار الثقيل أحيل حسنى إلى الجنايات فى قضية كسب غير مشروع، وذلك لعدم قدرته على إثبات دخله فيما يخص مبلغ مالى قدره تسعة ملايين جنيه مصرى!! أى تسعة ملايين تلك التى يُسأل عنها فنان بحجم الفنان فاروق حسنى؟! هذا الفنان الذى عُرضت أعماله الفنية بمعظم عواصم العالم وبأكبر صالات الفن التشكيلى من باريس إلى روما إلى نيويورك إلى طوكيو وأمريكا اللاتينية إلخ!! هذا الفنان الذى تُقدر أثمان لوحاته بآلاف الدولارات «تبدأ الأسعار من خمسين ألف دولار»! هذا الفنان الذى جاء به فنه إلى كرسى الوزارة، فهو كان فناناً معروفاً قبل الوزارة بسنوات وله من الأعمال الكثير «راجع الأرشيف الصحفى للجرائد والمجلات المصرية بالثمانينيات» هذا الفنان الذى عمل بباريس وروما لمدة ثمانية عشر عاماً قبل أن يصبح وزيراً!! هذا الرجل الذى يشارك ببواخر سياحية تدر دخلاً كبيراً قبل الوزارة بسنوات!
لقد اختلف الكثير مع فاروق حسنى الوزير واتهمه البعض بتفضيل الآثار على السينما والمسرح أو بالاهتمام بالفن التشكيلى أو بندب فلان إلى المكان الفلانى، ولكن لم يتهمه أحد قط بالسرقة أو النهب على مدار عمره بالسياسة، وأكبر دليل على ذلك دفاع الكتاب والمثقفين والمبدعين عنه الآن، لقد كان حسنى أحد رموز النظام ليس بعضويته بالحزب الحاكم «فهو لم يكن عضواً به» ولكن بأعماله وإنجازاته التى شهد بها الجميع وجعلته يمثل مصر تمثيلاً مشرفاً بانتخابات اليونيسكو، لقد قدم حسنى العديد للثقافة المصرية وأصبح من أحد رموزها وعطاؤه لمصر يجعلنا اليوم ندعو الله ألا يُحاكم حسنى سياسياً، كونه من رموز النظام السابق وأنا كلى ثقة فى القضاء المصرى الشامخ الذى سيُدرك من خلال المحاكمة أن حسنى بعيد كل البُعد عن شبهة الكسب غير المشروع وسيظهر الله الحق ويرده إلى أصحابه.