صدمت عند سماعى شهادة «د. فايزة أبوالنجا» وزيرة التعاون الدولى السابقة فى قضية التمويل الأجنبى بوصفها ثورة 25 يناير بأنها «أحداث» إذ جاء على لسانها «عقب تخلى مبارك عن السلطة ووقوع أحداث يناير، قامت وزيرة الخارجية كلينتون ومسؤولون آخرون والسفارة الأمريكية بالإعلان عن أنهم قرروا بشكل أحادى إعادة مبلغ 150 مليون دولار من البرنامج من المنح السابقة لتمويل المنظمات، وكانت هذه الأموال مخصصة لتمويل مشروعات الصحة والتعليم وغيرها»، وأضافت «كانت هناك دورات تدريبية للشباب حول عمل مظاهرات وإهانة الشرطة والهجوم على المؤسسات».
وبهذا الوصف جعلت الوزيرة السابقة من الثورة «صناعة أمريكية بحتة»، هذا طبعا قول مردود عليه بالكثير، فهل تناست الوزيرة السابقة دماء الشهداء الشباب المصريين الذين دفعوا حياتهم ثمناً لنجاح هذه الثورة، والمنجزات العظيمة التى حققتها هذه الثورة التى تغنى بها العالم، بل صدر العديد من الكتب والأطروحات البحثية حول أهمية استلهام هذه الثورة لاستعادة الديمقراطية فى الغرب وإنقاذها من مخالب الرأسمالية المتوحشة!!.
ففى طرح بعنوان «ثورة بلا عنف»، تناول بريان أوركهارت الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مكانة الثورات والانتفاضات الشعبية العربية الأخيرة، ومن بينها الثورة الشعبية المصرية مؤكداً على أن هذه الثورة برأسمالها الرمزى فى ميدان التحرير بقلب القاهرة ستبقى نتائجها بعيدة المدى، ويصعب حساب تداعياتها على الأمد القصير، ويتوقف بإعجاب عند بعض خصائص هذه الثورة التى اعتمدت إلى حد كبير على منجزات ثورة المعلومات والاتصالات دون أن يحق لأى شخص أن يدعى أنه كان قائدها.
وفى كتاب صدر مؤخرا بعنوان: «لماذا انطلقت فى كل مكان؟ الثورات العالمية الجديدة»، تناول المؤلف البريطانى باول ماسون ثورة 25 يناير فى سياق عالمى ضمن ما يسميه «الثقافات الاحتجاجية الجديدة»، وطرح ماسون رؤيته للثورة المصرية قائلاً: «إذا كانت الثورة الشعبية المصرية منحت المزيد من الثراء لمعنى المقاومة السلمية، فإن هذه الثورة ارتقت بمفهوم المقاومة السلمية التى تعددت مظاهرها وتنوعت عبر مشاهد يتذكرها العالم وتستعيدها الذاكرة الإنسانية مثلما حدث فى المظاهرات الحاشدة فى براغ عام 1989 أو انتفاضة الجماهير فى طهران عام 2009 وكل صور النضال لدك قلاع الطغيان فى العالم»، ودون شك فإن شهداء هذه الثورة دخلوا سجل المجد والخلود، جنبا إلى جنب مع رموز عالمية للثورات السلمية مثل الهندى غاندى والأمريكى مارتن لوثر كينج والبولندى ليخ فاونسا، وذلك وسط إشارات عالمية متعددة تؤكد أن هذه الثورة تضيف دروسا غالية وخبرات ثمينة ونقلة نوعية فى المفهوم العالمى للثورة السلمية.
فى واقع الأمر، لقد منحت ثورة 25 يناير الشعبية السلمية المصرية تحولا جديداً ومزيدا من المعانى للمفهوم العالمى للثورة السلمية وسط اهتمام عالمى بأبعاد هذه الثورة ونتائجها، وما تشكله من إضافة جوهرية لنضال الإنسانية وسعيها المتصل لحياة أفضل فى ظل الحرية والعدالة، ولعل أهم قيم ورثتها الثورة المصرية هى سقوط ثقافة الخوف وسياسة القمع، بل واستحداث أساليب احتجاجية جديدة ضد أى نظام يستخدم القمع أو يزور الانتخابات للبقاء فى الحكم، فهذه الأساليب سلمية، وتعتمد على «الحناجر لا الخناجر»، وقد يكون شبابنا قد تعلم أساليب سلمية للاحتجاج من أمم وشعوب قد عانت القمع من قبلنا، فلا ضرر بأن نتبادل خبرات التقدم الإنسانى.
وتبقى كلمة أخيرة، هناك من يوصف ثورة 25 يناير بتسميات مثل «ثورة اللوتس» أو «ثورة الشباب» التى يبدو أنها أكبر من كل التسميات والأوصاف، لأنها ثورة مصر الخالدة التى تهدى الإنسانية مفهوماً حضارياً لمعنى الثورة بنبل المقاصد والقدرة على التضحية والفداء، فهى صناعة مصرية بحتة وليست بأمريكية على الإطلاق.