عندما تعلن الإدارة الأمريكية تأييدها لحاكم ما، فهذا يعنى أن ذلك الحاكم «المؤيد» يسير فى طريق المصالح الأمريكية ولا يعارضها، أما إذا وجدناها تنتقد حاكما ما وتصفه بالديكتاتور، فهذا يعنى ببساطة أن ذلك الحاكم «المنتقد» لا يسير فى طريق أمريكا «القوة العظمى».
وتحفل صفحات تاريخ بلاد العالم الثالث أو نصف الكرة الجنوبى أو بلاد الشرق عامة بكثير من مواقف التعامل مع القوى الكبرى منذ بدأت تلك القوى تفرض سياسة التوازن بينها «مؤتمر فيينا 1815» بعد التخلص من نابليون بونابرت «أواخر 1814»، وفيما يتعلق بمصر كانت بريطانيا العظمى وراء تحجيم محمد على باشا «1840» لأنه ببنائه قوة اقتصادية وعسكرية كان يعاكس هيمنة بريطانيا على المنطقة، كما كانت بريطانيا وراء عزل الخديو إسماعيل «يوليو 1879» لأنه أراد ضم الصومال «القرن الأفريقى» فى إطار متطلبات الأمن القومى فلم تجد لعرقلته إلا إثارة مسألة الديون ومن ثم التدخل فى شؤون البلاد وعزله.
وعندما اشتعلت الحرب العالمية الثانية «1939»، أرادت إنجلترا من الحكومة المصرية أن تعلن الحرب على ألمانيا وخاصة بعد دخول إيطاليا الحرب إلى جانب ألمانيا «10 يونية 1940»، لكن على ماهر رئيس الحكومة المصرية رفض، فما كان من وزير خارجية بريطانيا إلا أن أرسل برقية شهيرة لسفيره فى القاهرة يقول فيها: Ali Maher must go، أى يجب أن يترك على ماهر الحكم، فاستقال الرجل ولم تهدأ بريطانيا إلا بعد أن فرضت مصطفى النحاس على الملك فاروق فى يوم 4 فبراير الشهير 1942 لتضمن هدوء الجبهة الداخلية فى مصر أثناء الحرب من خلال حكومة تتعامل مع الإنجليز ولها شعبيتها، وعندما استولى الضباط الأحرار فى مصر على الحكم «ليلة 23 يوليو 1952» أسرع الرئيس الأمريكى ترومان بتأييدهم أملا فى احتواء مصر فى إطار مصالح الغرب الأوروبى - الأمريكى، فلما بدأ جمال عبدالناصر فى مقاومة المشروع الاستعمارى فى المنطقة وتأييد حركة التحرر الوطنى عالميا وبناء القوة اقتصاديا وعسكريا على نحو ما هو معروف، نعتته أمريكا بالديكتاتور وأخذت تعمل على التخلص منه، ولم تهدأ إلا بعد رحيله.
وفى زمن الحرب الباردة كان المراقبون يعرفون طبيعة الانقلابات فى أمريكا الجنوبية وأفريقيا وجنوب شرقى آسيا وهوية القائمين عليها من موقف أحد المعسكرين «الشرقى أو الغربى»، فإذا أعلنت أمريكا تأييدها لانقلاب ما كان فهذا يعنى أنه فى صالحها، والعكس صحيح، وبعد انتهاء الحرب الباردة «نهاية1991» انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم، وأصبح تأييدها لأى حاكم فى أى بلد يتوقف على إخلاصه للأجندة الأمريكية التى تنطلق من دائرة أمنها القومى الذى هو فوق الكرة الأرضية وليس فى نطاق حدودها الجغرافية طبقا لشروط «الجغرافيا السياسية».
وعلى هذا ينبغى أن نفهم أن تأييد أمريكا للحكم الجديد فى مصر بابتسامة عريضة، ليس بعيدا عن دائرة الأمن القومى الأمريكى، فإذا شعرت أمريكا بأن هذا الحكم يريد معاكسة المشروعات الأمريكية بطريقة أو بأخرى سوف تنقلب عليه بسهولة ودون رحمة، ولعل هذا يفسر لنا حرص الإدارة المصرية الجديدة على عدم إغضاب أمريكا بأى شكل من الأشكال، كما بدا من تأييد الثورة ضد بشار الأسد مثلما تريد أمريكا، والتوقف فى طهران لساعات قليلة لتسليم رئاسة مجموعة عدم الانحياز لإيران وليس لزيارة إيران «لا سمح الله»، وفتح الباب لرأس المال الأمريكى وغيره، وكأن حكومتنا أصبحت «حكومة تسيير الاستثمارات» دون وعى بمخاطر ذلك على التنمية والاستقلال.
تقول الحكمة العربية: كن رأس ذبابة ولا تكن ذيلا لأسد.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
فيفي
عاشقة المحروسة
مقال سليم مية مية شكرا
عدد الردود 0
بواسطة:
علي اسماعيل
مقال حق يراد به باطل
عدد الردود 0
بواسطة:
وليد البحر
مؤشر وليس واقع مطلق