د. محمد محسوب

الإساءة للنبى واستعادة الذات

الجمعة، 14 سبتمبر 2012 03:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جزء من العقل الغربى يميل إلى الاستهانة بالدين عموما، ودين غيره على وجه الخصوص، والدين الإسلامى على وجه أخص، فالعقل الغربى يحدد رؤيته للإسلام أمران: الأول، يتعلق بما عاناه من ظلم على يد الكنيسة الكاثوليكية عبر ألف عام متواصلة، وما قدمه من تضحيات للتخلص من سيطرة مؤسسة دينية على مجمل الحياة الدنيوية بمفاهيم غاية فى التشدد.

وثانيا، التمدد الإسلامى العربى والتركى فى أوروبا خلال العصر الوسيط ومطلع الحديث.
وإدراك السببين المشار إليهما يفسر كيف تتعامل الميديا الغربية مع فكرة الدين عموما بقدر هائل من الاستخفاف والسخرية، وكيف يتحول ذلك إلى نوع من العداء عندما يتعلق الموضوع بالإسلام ونبيه ومعتقداته.

وربما أن حقيقة أخرى يجب علينا إدراكها، تفسر بعض ما يتبقى من غموض، وتتمثل فى أن النظام العالمى القائم هو من صنع العالم الغربى بعد تحوله ضد الكنيسة الكاثوليكية وتبنيه منهجا علمانيا وحياديا تجاه الدين، وقلقا، فى كثر من الأحيان من تدخل الدين فى الشأن العام أو الاجتماعى. وبالتالى فإن المنظومات الأخلاقية العالمية، ومن بينها منظومات حقوق الإنسان، انفرد العالم الغربى بإقامتها وفقا لمفاهيمه وتجاربه الخاصة التى وضعت الدين موضع الخطر الداهم، الذى يهدد الحقوق والحريات، ويسعى لتقييدها، فهذا هو النموذج الذى قدمته الكنيسة الكاثوليكية خلال هيمنتها على الحياة الدنيوية فى أوروبا لألف سنة أو يزيد.

ثم هذا هو أيضا النموذج الذى تقدمه جماعات دينية تنتسب للإسلام، بينما تتبنى مفاهيم كاثوليكية عتيقة، تنطوى على تعصب جامح وميل لتقييد حريات الناس، لاعتقادها أن الحرية تنطوى على مكنة الخروج عن الدين ومعاييره الأخلاقية. ولا يدركون أنهم بذلك إنما يهدرون جوهر الإسلام الذى سعى لتكريس مبدأ المسؤولية الشخصية المطلقة بناء على الحرية الإنسانية الواسعة غير المقيدة «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى»، وأنه «لا تزر وازرة وزر أخرى»، وسمحت المفاهيم الإسلامية بطرح كل أمر للنقاش العقلى دون مصادرة، بما فى ذلك ألوهية العلى العظيم ووجوده ووحدانيته، ولا أجد فى كتاب آخر مثل قول الله تعالى «أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين»، دون أن يواجه إنكار وحدانية الخالق بإهدار دم المنكر.

لا يمكن للعقل الإسلامى الحديث أن يقع فريسة للأمراض المزمنة فى الحضارة الغربية والتى أورثت الغرب نوعا من الهستيريا تجاه الدين، وأثره فى الحياة، بينما أن ما نبتغيه هو بناء نموذج يختلف عن النموذج الذى قدمته الحضارة الغربية فى الجانب الروحى والدينى، فنقيم حضارة متصالحة مع الدين غير قلقة منه، بل ومستفيدة مما يحمله من قيم عليا لصلاح الفرد وانتظام المجتمع.

ومن تلك القيم إقامة المسؤولية المطلقة على أساس من الحرية التامة، بمفهومها الذى يرعى قيم المجتمع وتقاليده، وبما يفسح للمجتمع ذاته فرصة التقييم والمراجعة الذاتيه، وتقبل الآراء الجديدة أو لفظها على أساس متى تجاوبه معه من عدمه. ولا يقر الإسلام بحال أن نقيم نموذجا أخلاقيا اجتهاديا، وأن ننصب جهازا يتبع الدولة يراقب ذلك ويسعى لفرض هذا النموذج على الناس، وينزل العقوبة بمن يخالفه، فما ذلك إلا منهجا اتبعته الكنيسة الكاثوليكية التى لم ترض بديلا عن تحويل الإمبراطورية الرومانية إلى إمبراطورية مقدسة، تتبع الكنيسة، حتى كُتب لها الزوال، وللكنيسة التراجع، وللدين مكانا منزويا ومظلما فى جانب بعيد من الحياة الغربية.

لا أتمنى أن أسمع يوما لفظ إساءة لنبينا الأكرم، ولا كلمة سخرية من عقيدتى التى أؤمن بأنها سمحاء، لكنى أرجو أن نواجه ذلك بقيم الإسلام لا بقيم غيرنا، وبسماحته لا بتعصب غيره. كما أرجو أن ندرك داخلنا أننا سنفرض احترامنا على العالم فى اللحظة التى نفرض أنفسنا كشركاء فى بناء النظام الدولى، وإعادة صياغته ليصبح أكثر عدلا، وليكون نتاجا للتنوع الحضارى الإنسانى، وليس فرضا تفرضه وجهة النظر الغربية بناء على تجاربها ووجهات نظرها وقيمها وتطلعاتها دون بقية البشر.

ولا أرى بديلا عن استكمال التحول الديمقراطى فى مصر، ليصبح كاملا غير منقوص، وتكريس الحقوق والحريات فى دستورنا وحياتنا، لتكون حماية للمجتمع فى مواجهة أى احتمال لتغول الدولة، ومحاربة الفساد بكل آثاره، لنتطهر منه ومن عاره، والتخلص من آثار الماضى البغيض بعجينته المصنوعة من دكتاتورية وتعسف وتنكيل، وتدين مزيف وانبطاح فى العلاقات الخارجية، واستقواء للحكومة على شعبها، وإثارة للعاطفة الدينية دون استنارة بقيم الإسلام العالية.

نحن بحاجة لبناء أنفسنا لنكون قادرين على المشاركة فى إعادة صياغة النظام الدولى لنقدم مثلا يتمناه الآخرون ويعجبون له، فنهزم المستهزئين هزيمة نفسية قاضية، تجعلنا القدوة والنموذج وتجعلهم محط احتقار أنفسهم قبل غيرهم.








مشاركة

التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

عصام سامي

ممتاز يا دكتور محسوب

عدد الردود 0

بواسطة:

hamdisuroor

على نار هاديه

عدد الردود 0

بواسطة:

أمل كريم

يجب أن نعرف أولا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة