أتابع باهتمام شديد تصريحات وزير التربية والتعليم الدكتور إبراهيم غنيم بمناسبة بدء العام الدراسى، وسط ركام المشكلات التى تعترض عمله، وأعترف بأننى أشفق عليه، لأن التركة ثقيلة، والمشكلة ليست فيه وحده، ولكن فى الحكومة التى ينتمى إليها، والتى تسعى لترقيع الأزمات، ولا تمتلك رؤية واحدة متماسكة فى أى ملف تتعامل معه، الحكومة لا تكف عن الشكوى وتحميل المواطنين الذنب، يجب أن نعترف بأن حل أزمة المعلمين يجب أن تكون لها الأولوية، لأنهم من أكثر فئات المجتمع أهمية، وأن مطالبهم التى يهددون بالإضراب إذا لم تتحقق مشروعة، وحقهم فى الإضراب مشروع، وينبغى التوقف عن المزايدة عليهم باسم الوطنية، هم يطالبون ب 1500 جنيه حد أدنى، وهو مبلغ بالكاد يكفى لحياة كريمة متقشفة، والحكومة تتحدث عن مبلغ لا يزيد على 300 جنيه زيادة، لكى تقول للرأى العام إنها استجابت لمظالم المعلمين، أنت أمام مليون و200 ألف معلم و600 ألف إدارى «منهم ثمانية آلاف فى ديوان الوزارة»، الوزير قال إن موارد الكادر الجديد تم صرفها من ميزانية الوزارة، وأن وزارة المالية لم تدفع مليما واحدا، وأنه قام بترشيد قطاع الكتب، وأن نظام الثانوية الجيد «سنة واحدة» وفر أموالا إضافية، بالإضافة إلى تعديلات خاصة بقانون المعاشات سنة 1955، وفرت مليارا و200 ألف جنيه لقانون الكادر، الوزير يحتاج إلى 56 مليارا إضافية للنهوض بالعملية التعليمية، وبناء عليه بدأ يعاير المستفيدين من التعليم النظامى «اللى هو الشعب» بأن تعليم التلميذ يكلف الحكومة ثلاثة آلاف جنيه، لا يدفع ولى الأمر منها سوى 250 جنيها، الوزير يعلن أنه ضد خصخصة التعليم كما يقول بقية الوزارء، ومع هذا يقول إن الحكومة لن تنهض وحدها دون مساعدة القطاع الخاص، الوزير «مستكتر» تزايد عدد الطلاب إلى 18 مليونا، وكان من المفترض أن يفرح، سئل عن الإجراءات التى ستتخذها الوزارة فى حال إضراب المعلمين وتعطيل الدراسة؟ قال إن لديه أكثر من خطة بديلة لا يمكن الإفصاح عنها «لا تعرف لماذا؟»، «ونحن على استعداد تام وتحت أى ظروف لمواجهة أى تهديد.. كما سيتم خصم أجر المدرسين المضربين»، هذه لغة غريبة من وزير «غير وزير الداخلية» فى التعامل مع أشخاص لا يطلبون شيئا خارقا، هم فقط يريدون حياة كريمة يستحقونها، الوزير سئل فى الوطن عن الأزمة الحقيقية التى تواجه تطوير التعليم فى مصر، أجاب بحكمة السنين: «لا توجد أزمة محددة تواجه تطوير التعليم.. ولكن المشكلة فى ثقافة الشعب».
فشل جهاز الكسب غير المشروع فى جر رجل فاروق حسنى إلى طرة، وكانت المحكمة قد وجهت له اتهامات بالحصول على 9 ملايين جنيه، وبرأته محكمة جنوب القاهرة، وبالتالى تم اختزال قضية الوزير الأسبق فى موضوع واحد من السهل تجاوزه كما حدث، ولم يتحدث أحد عن الأموال التى دفعها الشعب لحملته فى اليونسكو، ولم يتحدث أحد عن مسؤوليته فى حريق بنى سويف الذى اختطف أجمل مثقفى مصر، ولم يتحدث أحد عن تجاوزات مكتبة الأسرة، ولا عن الآثار المسروقة ولا زهرة الخشخاش ولا حريق المسافر خانة و.. و.. وأصبحت المشكلة فى تسعة ملايين لحلوح، تماما كما حدث مع حسن عبدالرحمن رئيس مباحث أمن الدولة، الذى تم اختزال قضيته فى فرم مستندات الجهاز وإحراقها عقب الثورة، وتبين فى نهاية الفيلم أنه برئ، وأن الشعب الذى قام بالثورة.. غلطان!
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور سيف الدين عبدالفتاح يلقى دررا خالدة فى كل الأماكن التى يتحدث أو يكتب فيها، ومن آخر فرائده هذا المقطع فى الشروق أول أمس «سياسات التباطؤ السياسى والرسمى للتعامل مع عالم الأحداث، إن التعامل مع الأزمات ومواجهتها علم مخصوص وعمل استثنائى وسياسة ضرورية، إن التباطؤ وسط يسمح بامتداد ردود أفعال متطرفة، مؤسسات الدولة شديدة التباطؤ أو التهوين من أمور لا يجوز فيها الاستهانة، دعونا نتحرك بعقل وبحكمة ومنطق السفينة الواجب والتدبير والسعى الدائب»!!