أمجد غانم

الإسلام والليبرالية (3)

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012 10:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الليبرالية تتعارض مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعن الجماعية والوحدة
قلنا إن الليبرالية الدينية تسعى إلى نمط من الفكر الدينى لا يتقيد بأية قواعد، ولا يستند إلى أية مرجعية، بل يستند إلى حرية الإنسان فى اختيار الإله الذى يهواه، ولو عبد كل يوم إلها.. ولو لم يعبد إلها على الإطلاق إلا هواه. نعم إن الليبرالية تهدف إلى نزع القداسة عن كل مقدس وله أن يقبل أو يرفض ما شاء من الإسلام وقد يخرج من الإسلام كلياً إذا لم يعجبه ولا يحق لأحد أن يعترض أو يحاسبه
فالليبرالى لا يخضع ولا يتبع سوى عقله وما يقتنع به ولا يتبع أعراف ولا تقاليد لا يؤمن بها ولا يقبل أن يفرض المجتمع عليه شىء لا يؤمن به ولم يقتنع به وهو فى المقابل ليس له دخل فى حياة غيره بل إن الليبرالى يعتبر أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تطفل من الآخرين وحجر على الحريات.

فهل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اختيارى أم إجبارى ؟!!!
قبل أن أتكلم عن هذا يجب أن أوضح أمرا هاماً وهو أن كثيرا من الناس يخلط بين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وبين العنف والتسلط على الآخرين فيجب أن يعرف كل الناس أن الأصل فى النهى عن المنكر قمة الرقة واللين لأنك إذا نجحت فأجرك عظيم فى الآخرة ومكسبك فى الدنيا أيضاً عظيم، وإذا فشلت لسوء فعلك فذنب هذا العاصى فى رقبتك {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] والأمثلة على ذلك كثيرة فمثلا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعلى بن أبى طالب حين أعطاه الراية يوم خيبر فقال على: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، لأن يهدى الله بك رجل واحد خير لك من حمر النعم ) رواه البخارى
فانظر فى موضع القتال وللكفار يأمره باللين ومحاولة هدايتهم بالحسنى فما بالك بأخوك المسلم العاص.

نعود للسؤال فنقول إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أمر حتمى وإجبارى. إن لم نقم به سينزل علينا عقاب من الله ولا يخص هذا العقاب المذنبين بل كل أهل الأرض فعن حذيفة بن اليمان، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) صحيح روى الترمذى .

وقال تعالى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25] وعن عبد الله بن عمر، قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة فى قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التى لم تكن مضت فى أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما فى أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم) صحيح رواه ابن ماجه والحاكم

فانظر ما يحذر منه الحديث لم تظهر الفاحشة فى قوم قط، حتى يعلنوا بها ـ أى لا يخشون فعلها على الملأ ـ إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع؛ قال كثير من العلماء إن من أسباب مرض الإيدز الشذوذ الجنسى أو ممارسة الجنس مع الحيوان. والجور والظلم إذا فشا فى الناس جار عليهم الحاكم ولم يعد هناك بركة لا فى الوقت ولا فى المال. وبمنع الزكاة يقل الزرع والخير وترتفع الأسعار وبترك الجهاد يستقوى علينا أعداؤنا ويسلبونا أرضنا ولن ترجع فلسطين بالأغانى والخطب.

فلما قصرنا فى واجبنا من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر انتشرت الأمراض سرطان وإيدز وحمى قلاعية وجنون البقر..إلخ فبالنهى عن المنكر تنقذ نفسك وأمتك من غضب الله ومن الهلاك فعن النعمان بن بشير عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :(مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا) رواه البخارى

فوجود العاصى المجاهر بمعصيته يفسد أمة بأكملها بل وجود من لا يحسن العبادة الصحيحة ويتبع هواه ولا يتعلم الدين الصحيح يفسد عبادة غيره بل يبطل إجابة دعائه كما تقدم فى الحديث ثم تدعونه فلا يستجاب لكم وجاء فى بعض ألفاظه ثم يدعو خياركم فلا يستجاب له فعن أحد أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة، فقرأ فيها سورة الروم، فلُِبس بعضها، قال: (إنما لَبس علينا الشيطان، القراءة من أجل أقوام يأتون الصلاة بغير وضوء، فإذا أتيتم الصلاة فأحسنوا الوضوء) رواه الإمام أحمد بسند حسن

فالمسلم الحق لا يمكن أن يكون سلبياً ولكنه يحاول منع المنكر بل قوته وكذلك نشر المعروف.
فالناس فى المواقف وردود الأفعال على ثلاثة دروب موافق ومعارض وغير مبال
فبين القرآن فى أكثر من موضع سنكتفى بموضعين يبين حال كل فريق قال تعالى {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 164 - 166]

فبين القرآن حال الأمة الإيجابية بالعذر من الله والنجاة من العذاب والفوز بالجنة. وأما الذين خالفوا أوامر الله وعتوا عن ما نهوا عنه فمسخهم. ولم يذكر حال الذين لم يهتموا بغيرهم ولم يبالوا فلم يبال الله بهم نسوا الله فنسيهم. هذا حالهم يوم القيامة أما فى الدنيا فإنهم لا ينجون من العذاب فالعذاب لا يعقل ولا يفرق أنظر إلى الزلازل والبراكين والفيضانات هى تميز من طائع وعاص. لذا ففى المثال الثانى يبين الله ذلك فيقول تعالى { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ *كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [القلم: 17 - 33]

فعلى الرغم من وجود من يحاول النصح ولكن بضعف وسلبية فلم تنفعه ولم تنفعهم فهلكت جنته مع جنتهم ولم يستثنيها العذاب.

فليس فى الإسلام مصطلح اسمه كل واحد حر لا بل أنت عبد لله وفرد فى أمة تحكمها قوانين سماوية وكل إنسان هو خليفة الله فى الأرض وهذه الأمة هى أفضل الأمم بقيامها بالأمر بالمعروف ونهى عن المنكر قال تعالى{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] هذا أول تصادم لليبرالية مع الإسلام وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

أما التصادم الثانى ففى الفردية وترك الجماعة وللحديث بقية..
hotmail.com @Amged_gh


موضوعات متعلقة :


الشيخ أمجد غانم يكتب: الإسلام يبنى الشخصية القوية الإيجابية أما الليبرالية والعلمانية فتبنيان شخصية سلبية انفرادية ليست جماعية (1)

الشيخ أمجد غانم يكتب: الإسلام يبنى الشخصية القوية الإيجابية أما الليبرالية والعلمانية فتبنيان شخصية سلبية انفرادية ليست جماعية (2)





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة