«العين بصيرة واليد قصيرة».. هذا هو لسان حال الحكومة وأجهزة الدولة فى مواجهة الاحتجاجات والمطالب الفئوية والمظاهرات، ولا توجد فئة أو مهنة إلا وخرج أعضاؤها حاملين مطالبهم، مهددين بالإضراب.
قد لا يكون فى إمكان الحكومة والدولة أن تفى بكل المطالب الفئوية لملايين الموظفين والمهنيين من أطباء ومعلمين وعمال، وقد يرى البعض أن هؤلاء المحتجين يبتزون الدولة، ويضغطون عليها وهم يعلمون أن الخزانة خاوية، لكن وجهة النظر الأخرى أنهم تلقوا وعوداً من الحكومات طوال شهور وصبروا فى انتظار الوفاء بالوعود، ولم يتلقوا ردا فعادوا للاعتصام.
الحكومة يفترض أن تقوم بحصر المضارين، وتحدد أصحاب الحاجات العاجلة التى لا تنتظر تأجيلاً، وتضع جداول زمنية للتعامل معها، وأن تكون هناك جهة أو هيئة تكون مهمتها دراسة مطالب وقضايا المواطنين والموظفين، قبل أن تنفجر الاحتجاجات.
وعلى رأس هؤلاء العمال المؤقتين فى كل الهيئات والوزارات هناك عمالة مؤقتة تقدر أعدادهم بحوالى المليون، يعملون بلا حقوق أو تأمينات، ويتراوح ما يحصلون عليه بين خمسين ومائة جنيه، وهى مبالغ لاتكفى لمدة يومين، ويفترض أن يتم تقدير مشاعر ومطالب هؤلاء عندما يحتجون أو يقتحمون مقار وزارات، ويعتبرهم البعض بلطجية بينما هم يعيشون حياة غير منطقية.
هذا لا يعنى أن مطالب باقى الفئات غير مهمة، لكن لا يمكن مساواة مطالب المضيفين بمطالب العمال المؤقتين، أو عمال النقل العام.
مواجهة هذه المطالب تحتاج إلى إرادة سياسية للتعامل معها بوضوح، وإتاحة الفرصة لفتح حوارات مع الأطباء والمعلمين وعمال النقل والغزل والنسيج والنقابات لدراسة مطالبهم، وإشعارهم بأن قضاياهم مطروحة، والأهم من الحقوق المادية هو أن يشعر المواطنون بأن هناك من يتفاعل مع مطالبهم ويراها وينظر لها ويحدد لها جدولا زمنيا.
ويجب تقييم تجربة ديوان المظالم الذى افتتح لتلقى ودراسة شكاوى المواطنين، وتحول مع الوقت إلى روتين غير فاعل فقد بريقه مع الوقت، وعادت المظاهرات والاحتجاجات أمام القصر الجمهورى.
هناك دور سياسى غائب يفترض أن يخطط له ويقوده مستشارو الرئاسة، بحيث تكون هناك مؤسسات تعمل بشكل مستمر، وعلى الحكومة أن تسعى للمواجهة من خلال خطط وأفكار ومبادرات، لأن تفرغ الحكومة للتعامل مع الأحداث اليومية بعقلية رجل المطافئ لن يمنح فرصة لاستشعار القلق والتعامل مع المشكلات الفئوية جذريا، وأن يكون للمحافظين دور فى هذا الأمر، بما يتجاوز الجولات والتصريحات، فالإدارة المحلية بفسادها وعجزها جزء من الأزمة، يحتاج لتدخل وحل ومواجهة.
وهناك دور غائب للتنظيم السياسى المتمثل فى حزب الحرية والعدالة فى معرفة مطالب الناس ونقلها للسلطة، وتجاوز السعى للبحث عن مواقع ومناصب قد لا تفيد فى ظل حالة الانسداد السياسى القائمة.
غياب السياسة والمبادرة، هو ما يجعل المشكلات متواصلة والمطالب مشرعة، وقابلة للاشتعال، بينما تستمر الدولة فى دور رجل المطافئ الذى يطفئ حريقاً هنا فيشتعل آخر هناك.