يبدو أننا قد صرنا فى زمن تمثل فيه العدادات مصدراً رئيسياً من مصادر الإزعاج والقلق للجميع، قلق وإزعاج يعرفه المصريون جيداً، سواءً فى ذلك المواطن البسيط محدود الدخل ومتوسطه أو المستور كما اصطلح على تسميته، هذا المواطن يعرف وقع طرقات المحصل على بابه، وما يرتبط بتلك الطرقات من ترقب يتبعه رحلة جدال وأخذ ورد حول الرقم الذى سيلقيه على مسامعه محصل الكهرباء أو المياه أو الغاز. هل العداد «مفوت»؟ هل أدخلتمونى فى شريحة عالية؟ هل الأرقام مطابقة لما فى العداد؟ ما هى فترة المحاسبة؟ وعن أى شهر؟ هكذا يظل فى جداله دقائق حتى يضطر إلى الدفع صاغراً، أو التظلم، أو حتى التقسيط، لكنه فى النهاية سيدفع. هكذا جرت العادة، وهكذا يعرف المواطن، لكنه سيظل يحاول ويجادل ولو على سبيل «حلاوة الروح».
الجديد فى الأمر، أن قلق العدادات لم يعد مقتصرا على محدودى الدخل ومتوسطى الحال وحسب، بل وصل قلق العدادات إلى أكبر رأس فى الدولة، لقد وصل إلى رأس الدولة نفسه!.. نعم.. للريس عداد، هذا العداد لمن لا يعرفه هو موقع إلكترونى دشنه بعض الناشطين فى بداية حكم الرئيس مرسى أطلقوا عليه اسم «مرسى ميتر»، واستلهموا قياساته من كلامه ووعوده الانتخابية، التى علقها الرئيس بفترة زمنية محددة، وهى مائة يوم بالتمام، مما يجعله عداداً مقلقاً كسائر العدادات.
وهذا فى ذاته شىء جميل، وهو فى رأيى من حسنات الثورة، أن تكون فكرة محاسبة الرئيس ومتابعة إنجازاته واقعاً ربما لم يكن ليتحقق لولا إلزام الرئيس نفسه بذلك، وهو أمر يُشكر عليه، اللهم إلا تفصيلة مهمة فيه أجد نفسى منذ أطلقت غير مقتنع بها، تفصيلة التحديد بمائة يوم وعدم تعيين بدايتها. لست مقتنعا بذلك من حيث الكم والكيف، فمن حيث الكم أجدها مهلة لا تكفى أبدا للقضاء على الرشوة والبلطجة والاحتكار والغلاء والزحام ولا أعتقد أن طبقات الفساد والبيروقراطية فى مؤسساتنا العامرة يمكن أن تنهار فى مائة يوم، ومن حيث الكيف لست مقتنعا بترك البداية المبهمة محلا لاجتهادات المفسرين والمبررين. وها هى النتيجة، الأيام المائة قد قاربت على الانقضاء ولم يتم إنجاز غالبية هذه الوعود، بحسب قراءة عداد «مرسى ميتر»، وقبل أن يسارع البعض بالتبريرات المعتادة، أو باتخاذ موقع الدفاع عن الرئيس، أو يبادر آخرون باستغلال الكلام للهجوم عليه، أحب أن أؤكد أننى هنا فى مقام النصح وليس اللوم، بل عن نفسى لا يعنينى كثيرا موضوع الأيام المائة هذه، وقد أوضحت أننى من البداية لست مقتنعا بإمكانية تحقيقها، بل تستطيع أيضاً أن تقول إننى مقتنع بأنه قد حقق بالفعل إنجازاً لم يكن جلنا يتوقع أن يحققه بتلك السرعة المذهلة، فبخلاف جولاته الحثيثة فى عواصم العالم، وجهوده لجلب استثمارات، وإصلاح علاقات، واستعادة دور ومكانة غابت عن مصر لعقود، فقد أنهى بفضل الله ستين عاما من التسلط والنفوذ العسكرى، واستطاع أن يحقق فى شهرين ما لم تحققه أنظمة أخرى فى سنوات، وهذا فى حد ذاته قد يكفينى ويكفى كثيرين غيرى ممن يعرفون خطورة حكم العسكر، لكن يبقى العداد، وتبقى المشكلة التى تحتاج إلى حل حاسم. مشكلة الوعود التى لم يتبق على استحقاقها إلا أيام.
وبغض النظر عن الموقع الإلكترونى والنشطاء الذين دشنوه، فإن هناك أقلاماً وألسنة حدادا تستعد من الآن لهذه اللحظة، كما أن هناك متعشمين ومؤملين ينتظرون نتائج المائة يوم، وهؤلاء وأولئك بحاجة إلى إجابات، هذه المشكلة فى تقديرى لا تحل بالتبريرات المعتادة، أو بالكلام عن موعد بدء الأيام المائة كما بدأ البعض يلمح، إنها فى تقديرى لا تُواجه إلا بشىء واحد: المصارحة والمكاشفة.
فلا بأس أن يخطىء المرء، أو تجانبه الدقة فى تقدير ما، وربما يكون العداد المذكور نفسه بحاجة لإعادة ضبط وتعريف. لكن تبقى المصارحة هى الحل الأمثل الذى يُكسب الرئيس تعاطفاً شعبياً من أمة كريمة لا أظنها تمانع فى إعطاء الرئيس فرصة طبيعية ومنطقية، وذلك إذا ما طلبها وصارح شعبه بها. المصارحة والمكاشفة يا ريس هى الحل. لا تدع المبررين يسيئون إليك من حيث لا يشعرون، فلتصارح شعبك، ولتبدأ معهم مشروعاً قومياً يشاركونك فيه، ولتجعل مثلك فى هذا قول ذى القرنين الذى تحفظه من كتاب ربك: «فأعينونى بقوة».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
دعاء
مع احترامي لحضرتك
عدد الردود 0
بواسطة:
صباح
الي رقم 1
عدد الردود 0
بواسطة:
مريم
مقال متزن
عدد الردود 0
بواسطة:
Sherif
مقال جميل
مقال متزن وراقي .