د. بليغ حمدى

لِمَاذَا نُجَدِّدُ العَهْدَ بالسِّيْرَةِ النَّبَوِيَّة؟

الجمعة، 21 سبتمبر 2012 11:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحق أقول، فأنا من آلاف السائلين، ومعهم أيضاً الذين يوجهون هذا السؤال: هل هناك ضرورة لإعادة قراءة وكتابة السيرة النبوية؟ . فأنا معهم حينما يهرعون إلى المنهج العلمى باستخدام الأسئلة الموجهة غير المبهمة. وهو طرح مشروع حقاً، ولكن الذى ينبغى علينا أن نؤكده فى هذا الصدد أننا نعيد قراءة تاريخنا الإسلامى لا كتابته وروايته، فإعادة القراءة هى إعادة تأويله وتفسيره، لأن التاريخ الإسلامى يحمل دلالات الحاضر أكثر مما يتعلق بالماضى، فنحن لا نتعامل مع قصة مثيرة تدغدغ مشاعرنا وأعصابنا، بل نتعامل مع حالة تاريخية مهمة فى تاريخ الإنسانية كلها شكلت ولا تزال تشكل حياتنا ومصائرنا المشتركة.

وربما تفسر هذه الحالة التاريخية هذا العجز العربى الراهن والمزمن فى مواجهة التغييرات التى تحدث من حولنا، بالإضافة إلى ما تحتاجه الذهنية العربية إلى تجديد وعيها بتاريخها، بل تجديد وعيها بذاتها. وقراءة وكتابة السيرة النبوية ـ لا بشكلها التأريخى التتبعى من الميلاد إلى الوفاة - بأحداثها ووقائعها الجدلية المضطربة والمضطرمة سياسياً واجتماعياً ـ أحيانا ـ فى فهمها تساعدنا فى تحليل واقعنا الراهن وفى فهم حالات العجز الحالية والتقاعس الذى أصاب عقل المسلم، ونحن بصدد التصدى لمشكلات معاصرة مائجة، وتساؤلات تبحث عن مرفأ لليقين، قد نجدها بالضرورة فى سياق السيرة النبوية المطهرة.

لقد استنزف هذا العقل العربى المسلم معظم أفكاره، وخارت قواه التى طالما حاول الاحتفاظ بهيكلها الخارجي،دون أيديولوجية أو إطار مرجعى يمكن الاستناد أو الاعتماد عليه، وكان من الأحرى حقاً استعادة الوعى التاريخى بالمهاد الإسلامى، قراءة، وكتابة، وتأويلاً، وتحليلاً، بدلاً من سباق محموم فى دفع التهم والنقائص المكتسبة عن الذات.

وهذه الدعوة الصادقة لإعادة قراءة وكتابة السيرة النبوية وفصولها وتجديد العهد بها، ما هى إلا التفاتة موجهة للقارئ العربى لإعادة فكره ونظره إلى استقراء التاريخ الإسلامى بوجه عام، وتاريخ الفترة المحمدية على وجه الخصوص، رغبة منا خالصة للاستفادة بسيرة النبى الأكرم (صلى الله عليه وسلم)، فتعرف سيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) من الأمور المهمة والضرورية لكل مسلم، ففيها نفع وبصيرة وعلاج لمشكلات الإنسان المعاصرة.

ولنا أن نشير إلى أن هذه الدعوة وتجديد العهد بالسيرة النبوية لا تتضمن مجرد ذكر أحداث السيرة النبوية لصاحبها صلى الله عليه وسلم، بتفاصيلها الكاملة وبوقائعها من المهاد إلى الممات، لكن التقاط الوقائع والأحداث ليست التى نراها مهمة، فسيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، كلها محل اهتمام وأهمية، لكن لما فيها بعض الدروس والعبر المستفادة والمتصلة شديدة الاتصال بأحداثنا المعاصرة، وما ترتبط من مشاهدات اجتماعية وسياسية وتربوية راهنة، لذا فقد لا يرى القارئ المسلم أن سرد كافة تفاصيل السيرة النبوية من منظورها التاريخى القصصى، بالقدر الذى نقف فيه عند بعض الوقائع التاريخية الموجودة بين ثنايا هذه السيرة العطرة للتأكيد على أوجه الإفادة منها فى حياتنا المعاصرة.

إن عظمة الكتابة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تتجلى فى بيان الأثر الذى أحدثه الرسول، صلى الله عليه وسلم فينا، لقد شاء الله لنا أن نخصص هذه الآونة مساحات عريضة من الكتابة فى الحديث عن سيد الخلق معلمنا ونبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، ودورنا الآن هو الكشف عن خصائص سيرة النبى الأكرم وبيان فضائله، تلك التى يجب أن تقدم بصورة عاجلة للشباب المسلم الذى قد يعتريه الغضب بسبب الفيلم المسىء للرسول، فأحكم الغضب عقله وكان من الأحرى عليه أيضاً اللجوء السريع إلى سيرة المصفى العطرة.

ويجب أن تكون قراءاتنا وكتاباتنا فى السيرة النبوية وسيلة مهمة وسلاحاً ضارياً فى الرد على الإساءات التى لا يزال يوجهها المستشرقون إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكذلك الافتراءات التى يفترونها المغرضون والمتشككون والمهوكون على الإسلام الحنيف الذى فرضه الله دينا قيماً للإنسانية منذ آدم عليه السلام إلى أن يطوى الله الأرض وما عليها. يقول تعالى فى محكم التنزيل : )شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) ( (سورة آل عمران/ 18 ـ 19). ويقول تعالى : )وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85)( (سورة آل عمران/85) .

إن ما يدفعنا دفعاً جميلاً لإعادة تجديد العهد بالسيرة النبوية المطهرة ليست معرفة عدد الغزوات ولا وقائع صلح الحديبية ولا كيفية الوحى فحسب، بل هناك أمور أدعى بالمعرفة والأمة الإسلامية تواجه حرباً شرسة لا رحمة فيها، هذا الدفع الجميل يدعونا لأن نعرف بحق شخصية الرسول وهو يسالم وهو يحارب، وهو يداوم على ذكر الله عز وجل.

إنه من الأحرى ونحن نجدد العهد بسيرة أشرف الخلق أن نقف عند نقاط ذات أهمية فى تشكيل عقلنا العربى وفى تحديد هويتنا ونحن نواجه حروباً تستهدف القضاء على الهوية والعقيدة وهيهات لهذا الصنيع بإذن الله، يهمنا أن نعرف متى غضب النبى ولما غضب وكيف كان غضبه؟ أن نتلمس فى قضائه بين الصحابة طريقاً نسير فى هداه لا أن نسرد قصصاً لمجرد الحكى.

والحق أقول نهاية: لن يفلح المغرضون فى مؤامرتهم على الإسلام والمسلمين ما لم نحذو مثال النبى، صلى الله عليه وسلم، ونستنهج سبيله، وهذا لا ولن يتحقق بالدعاء والغضب، بل نناله بتقوية الإيمان والحرص على العبادات والطاعات واستقراء منهج الرسول فى حياته، ولن يكتمل ديننا ما لم تكتمل خصالنا وشمائلنا التى وجب علينا اكتمالها بهدى النبى، صلى الله عليه وسلم.

قال بعض العارفين: صليت ليلة من الليالى صلاة العشاء الأخيرة، فلما جلست للتشهد نسيت الصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، فرأيته فى المنام وهو يقول: "يا هذا، نسيت الصلاة عليَّ" فقلت: يا رسول الله، اشتغلت بالثناء على الله، فقال: "أما علمت أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل الثناء عليه إلا بالصلاة علىَّ"، "أما سمعت قول الله تعالى فى كتابه العزيز: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)... اللهم صلى على سيدنا ونبينا محمد أشرف الخلق أجمعين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة