الداخل هو الذى يحدد العلاقة مع الخارج، فيما يخص العلاقات الاقتصادية والسياسية، وبقدر ما يتحقق من استقرار وتقدم داخلى، وثقة متبادلة بين السلطة والمواطنين، يكون التعاون من الخارج. ومهما كانت الزيارات السياسية أو العلاقات الخارجية لا يمكن الرهان عليها من دون نتائج تتحقق على الأرض سياسياً واقتصادياً وأمنياً. الحال فى مصر يحتاج إلى إعادة نظر من السلطة فى السياسات المتبعة، حتى يمكن تجميع المصريين بفئاتهم وتياراتهم وطموحاتهم، وإزالة عناصر القلق والخوف التى تتصاعد هذه الأيام.
من صور القلق تساؤلات عن مصير الأموال التى وعدت بها دول أو حكومات لمصر، والمليارات التى كان يجرى الحديث عنها أثناء الانتخابات الرئاسية، وكيف يمكن أن نلجأ للاقتراض من الصندوق والبنك الدوليين ونخضع لشروط تضغط علينا سياسياً واقتصادياً.
ويبدو أن الجولات الخارجية للرئيس مرسى ولقاءاته مع حكام عرب وأجانب لم تثمر حتى الآن نتائج يمكن التعويل عليها، هناك أقوال وتصريحات وإشادات دولية لا يمكن أن تتجاوز التصريحات والمجاملات، أما الاقتصاد والاستثمار فله حسابات أخرى تتعلق بالمصلحة والأرباح التى يمكن أن تعود على هؤلاء الذين يتشجعون للاستثمار.
ولا يمكن أن يشجعك الآخرون ما لم تكن قادراً على تشجيع نفسك، ولا يمكن أن يثق فيك الخارج من دون أن تحظى كنظام حكم بثقة الداخل وتعاونه، والداخل هو ما يحكم نظرة الخارج لأى دولة أو نظام، والاستقرار السياسى والأمنى والاقتصادى من شأنه أن يصنع الصورة التى تشجع الخارج على التعاون.
ولا شك أن حالة القلق السياسى والاقتصادى والاجتماعى الموجودة الآن فى مصر، تؤثر مباشرة على مدى تعاون الخارج معنا، وهذا القلق مبعثه، غياب الشفافية اللازمة حول شكل الدستور الجديد الذى تعمل عليه اللجنة التأسيسية، التى لم تكن معبرة عن مجمل فئات وتيارات وأحلام المصريين، وما يتم تسريبه من داخل الجمعية يثير المزيد من القلق على الأوضاع السياسية والاجتماعية، لأن الدستور هو المدونة التى تحكم المستقبل. وقد وعد الرئيس مرسى فى خطابه بميدان التحرير عقب فوزه، بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لتكون معبرة أكثر من مطالب الشعب، وبالتالى فإن عدم خروج دستور يعبر عن الدولة المصرية بتنوعها وطموحاتها الحضارية والمدنية من شأنه أن يجدد الخلاف ويوسع التصادم داخل البلاد، حتى لو كانت الأغلبية العددية تتصور أنه يناسب طموحاتها القريبة، فيفترض أن يضمن الدستور حقوق الفقراء والضعفاء، ويصب نحو وحدة المصريين.
الدستور مثال على القضايا التى تصب فى سياق الفرقة، وتمنع من التئام الشعب، وهو ما كان يمثل مشكلة فى نظام مبارك من تكويش فئة على مقدرات السياسة والاقتصاد وعزل آخرين، وما يجرى مع الدستور، ينطبق على ما يحدث فى تولى المناصب بنفس الأسلوب السابق، حيث يتم تغيير أشخاص مع الإبقاء على السياسات، الرئيس مرسى وحزبه وفريقه فى حاجة لاستعادة ثقة الناس، حتى يمكنهم أن يكسبوا ثقة العالم.