دعك مما يقال عن مشروع النهضة الذى كثر الكلام عنه منذ انتوى الإخوان ترشيح مهندسهم خيرت الشاطر للرئاسة، ثم تغيرت الخطة فتم الدفع بمحمد مرسى رئيس الجمهورية الحالى خلفا للشاطر، ولا تلق بالا لأقاويل قيادات الإخوان فى مكتب الإرشاد أو فى ديوان الرئاسة، ولا تضرب أخماساً فى أسداس حول إذا ما كان المشروع «فكرى» أو «ذهنى» أو «خيرى»، ولا تلتفت إلى تصريحات الشاطر «سيد مكتب الإرشاد»، حول أهمية أن يكون الشعب متحضراً قبل أن يفكر فى «مشروع النهضة»، أو أنهم لا يملكون صيغة جاهزة للنهضة، وإنما بذرة لمشروع تحتاج إلى حوار مجتمعى، دعك من كل هذا، فأنا لم أندهش منه، ودعوتك قبل ذلك إلى عدم الاندهاش، إذا ما لم يتم شىء مما وعدونا به، وقلت إن فى مقال سابق نشر فى 21 مايو الماضى بعنوان «الخدعة الخفية فى البرامج الرئاسية»، إننى «منذ بداية الماراثون الانتخابى امتنعت عن النظر فى برامج المرشحين، لأنى أعرف مسبقاً أنهم لن يلتزموا بها»، وقلت إن معظم البرامج وبخاصة برنامج «مشروع النهضة» ما هو إلا كلمات معسولة، وإنى ضحكت حينما اطلعت عليه لأن مصر «لا تحتاج إلى برنامج وإنما تحتاج إلى عودة الروح»، لكن بالطبع لم أسلم وقتها من شتائم الإخوان وتجريحهم، وقد جاء الوقت الذى أقروا فيه بما قلته منذ أشهر عديدة.
النهضة التى أعرفها ليست برنامجاً رئاسياً، ولا مشروعاً تعميرياً، النهضة «حالة عشق» تنتاب الوطن فتدفعه إلى التحدى والبذل والعطاء، ولنتأمل المعنى اللفظى للكلمة، لنعرف إنها لا تعنى البناء والتعمير بقدر ما تعنى الصحو والهمة، فيقال لفلان «انهض» أى استقم وارتفع وانزع عنك غفلتك، ولا يتطلب النهوض من الفرد أن يبدل ما به أو يغيره، لكن فقط يطالبه بأن يدفع الطاقة الكامنة فيه إلى الأمام، أى أن النهضة باختصار هى عملية إحياء وبعث لروح رقدت وتماوتت، ولهذا كانت كل مشاريع النهضة فى العصور القديمة محاولة لإحياء أمجاد الماضى، فالنهضة الأوروبية مثلا، بدأت حينما اكتشف الأوروبيون أمجادهم القديمة وشعروا بقوميتهم، فتقدموا فى الصناعة، واخترعوا الآلات الحديثة ثم عمدوا إلى إحياء الفن الرومانى واليونانى، ورعوا هذا الفن فصار للنهضة وجه وروح، أما النهضة المصرية فى عهد محمد على فقد اعتمدت على خبرة المصريين فى الزراعة، وقدرتهم على التطور والتعليم، فأنشأ محمد على القناطر وحفر الترع، ثم أرسل البعثات لتجوب العالم، وتأخذ عن علمائهم علمهم فحقق فى سنوات معجزات تلتها معجزات، ولا تتخيل أن النهضة الإسلامية فى شبه الجزيرة العربية بعيدة عن هذا المنهج، حتى إن الكثير من المؤرخين يذهبون إلى أن أسباب النهضة العربية الإسلامية كبيرة وكثيرة، من أهمها العامل الاقتصادى، والعامل الدينى، لكن أهمها هو أن الرسول أشعر العرب بقوميتهم ووحدهم تحت رايته، فدانت لهم الدنيا.
«مشروع النهضة» الذى أعرفه هو ذلك الذى يبدأ بالتاريخ ليصل ما انقطع ويحيى ما اندثر، وهو ذلك المشروع الذى يصبغ الحياة كلها بلون الوطن، منتميا للعلم والفن والثقافة والإبداع، هو الذى نتشارك فيه «كلنا» حول مفهوم الدولة وأهدافها وخططها، وهو الذى يرى مكامن النبوغ فينميها، ويكتشف مواطن الوهن فيسدها، وفى اعتقادى الشخصى، فإن مرسى وجماعته هم أبعد الناس عن هذا المشروع، لأنهم منقطعون عن تاريخنا بتاريخهم، مفصولون عن أهدافنا بأهدافهم، دينهم الإقصاء، وديدنهم التعالى على الجميع، لا يرون مصر إلا كمطية يعبرون بها إلى أحلامهم، بينما لن تمنح مصر مجدها إلى لمن يعتبرها غايته الأغلى.