«اربط الغزال ريح الحمار إن ما تعلم من شهيقه اتعلم من نهيقه».. حكمة بليغة من أقاصى الصعيد تؤكد بالدراسة الحية أن الغباء غلاب.. وأننا لو وضعنا عبقريا وسط الأغبياء فلن يهتزوا بل سيزيدون واحدا.. وقديما علمونا أن تفاحة «خربانة» تكفى لإفساد طن سليم.. والآن يقنعوننا بأن تفاحة جيدة تكفى لإصلاح طن فاسد.
مشكلة النظام الإدارى فى مصر أنه أقدم دولاب إدارى فى العالم، وإن كان هذا يدل على خبرته وتجاربه الطويلة، فإنه يؤكد أيضًا وجود «عته».. لذلك استمرت نفس المشاكل بنفس الحلول لمئات السنين.. فما زلنا نقترض كلما افتقرنا ونستورد كلما جعنا ونرفع الضرائب على المساكين كلما «ازنقنا».. وما زلنا نحارب الفقر والجوع بالصدقات والمسكنات ونعالج المظاهرات والإضرابات بالأمن والتهديدات ونحاسب الغلابة على الدعم، رغم أن معظمه يشفط فى جيوب الحكومة.. لذلك لن تفهم لغز الدولة العميقة إلا لو كنت مهتما «بالفحت» وبنوعية المسؤولين الراقدين تحت.
أعرف صديقا طموحا وذكيا صادفه الحظ فى الوصول إلى مركز قيادى فى إحدى الهيئات الحكومية وأخذ يحكى لى بالساعات عن أحلامه وخططه للنهوض بالهيئة وتطويرها إداريا وخدميا وماليا... ولكنه سكت تماما بعد شهرين بعدما أقنعوه بأن ليس بالإمكان أبدع مما كان، وشككوه فى أى تطوير وأخافوه من أى تغيير.. فاكتفى مثل غيره بالسير على خطا السابقين والاستمتاع بالهيلمان والراتب المضمون.
ومشكلتنا مع الحكومة الآن ليست لأنها عملت فينا «لا سمح الله» حاجة، بل لأنها «لم تعمل أى حاجة» واكتفت بتسيير الأعمال حتى لو سفلية.. لذلك كان من الطبيعى أن تصرح وزارة الداخلية بأن عدد الوقفات الاحتجاجية وصل إلى 1409 فى 47 يوما.. يعنى 30 مظاهرة يوميا و900 شهريا، مما يؤكد حصولنا على ميدالية ذهبية فى الأولمبياد الاحتجاجية ونحن فى انتظار تكريم السيد الرئيس.
ورغم رفضى لهذه الوسيلة فى الضغط على الدولة
فإنها تبدو الطريقة الوحيدة أمام «تطنيش» المسؤولين الذين جاءوا بوعود كثيرة وقلة حيلة.. فلا الفلول ولا الذيول ولا الطرف الثالث أو الخامس يستطيع إشعال تلك الاحتجاجات إلا لوصل بسهولة لحكم البلاد واحتل أجزاء من آسيا. ولا يمكن لطلاب جامعيين أو لموظفين محترمين أن يبيتوا فى العراء أو يحتجوا عراة. إلا لو طفح الكيل والبلاعة وعرفوا أن وعود المسؤولين الجميلة اختلطت بمجارى الدولة العميقة.
والغريب أن تقطع الدولة الشك باليقين وتعود لاستغلال قدراتها الأمنية فى التعامل مع كل المتظاهرين، فلا فرق بين طالب سرقوا منه الجامعة أو موظف حرموه لشهور من راتبه أو مسجل خطر أو بلطجى.. وضعوا المحتجين مع المضربين مع المعارضين مع المجرمين فى خانة واحدة، لذلك كان من الطبيعى أن نراهم وكأنهم نفس الوجوه القديمة التى اعتدنا لعقود أن تطفح علينا من الدولة العميقة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد فؤاد
هههههههههههه
مقال رائع تسلم ايدك
عدد الردود 0
بواسطة:
عزت ابراهيم
هموم وطن