علاء لطفى

تفكيك المؤامرة!!

الأحد، 23 سبتمبر 2012 09:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو أننا جميعاً قد أصبحنا نجهل قدر الرسول الكريم.. وضاقت بنا التصورات إلى اختزال مكانة نبى الإسلام فى مشاهد وعبارات ساقطة لفيلم تافه لا يشين سوى صانعيه أو رسوم كاريكاتير لباحث آخر عن الشهرة فى عالم الابتذال.. أزعم أن الانفجار الدائر وردود الأفعال المشينة ليس لهما علاقة من قريب أو بعيد بمكانة نبى الرحمة والهدى، بقدر ما هو اختزال للصراع السياسى من قبل قوى غربية مُضللِة فى البعد الدينى فقط، ومحاولة للانتصار فى صراع تاريخى بين الكنيسة الرومانية والإسلام حسمته معادلات الحرب والدم فى نفس هذه البقعة من العالم، وأعنى بها حقبة الحملات الصليبية.. فالهوس الدينى الذى يحكم العالم من تحت الرماد فى كلا الاتجاهين، يكرر نفس أخطاء الماضى ويتحرك ليفرض على البشرية أجندته الدموية من جديد، وإلا فما هو سر اندلاع حملات الازدراء المتواصلة بتوقيتات متزامنة من واشنطن مروراً بباريس وأخيراً برلين، وكأنها منظومة يجمعها خيط دقيق غير مرئى ويحركها فى اتجاه الإيذاء لمشاعر الملايين من المسلمين حول العالم.. وهنا أنا لا أستدعى رصيدى التآمرى لتفسير المشهد بقدر ما أقرأ فعلياً بين السطور فى محاولة لإيجاد تفسير لتوقيت اندلاع تلك الحملة والغرض منها.. البعض استغرقته متابعة ردود الأفعال والتعليق عليها ليضاعف من الانقسام بين مؤيد ومعارض لأعمال العنف والقتل التى اجتاحت مناطق متفرقة من العالم الإسلامى.

ثم جاءت ردود الأفعال الرسمية الأمريكية بشأن الخطاب الرئاسى المصرى لتكريس حالة التربص بالنظام السياسى المصرى فى إطلالته الجديدة ذات التوجه الإسلامى، وتصوير المشهد كأنه صراع دينى، بما يخدم الأجندة السياسية لمرشحى الرئاسة الأمريكية ويصنع منها قضية رأى عام أمريكى تحرك الناخبين فى كلا الاتجاهين.

هذا التوظيف يختزل الصراع فى البعد الدينى ويسمح باستغلال الحادث المؤسف والمشين الذى أودى بحياة السفير الأمريكى لتشويه الإسلاميين كما فعل "ميت رومنى" مع إطلالة الداعية صفوت حجازى الشهيرة بشأن القدس، من توظيفها إعلانياً للنيل من أوباما الداعم ظاهرياً لتيارات الإسلام السياسى فى بلدان الربيع العربى.. التوظيف هنا أيضاً للقطات الفيديو يأخذ الصراع إلى منحى دينى، باعتبار أن الدين هو إله الحرب والعدو التقليدى لدى طوائف مسيحية أمريكية منغمسة فى السياسة منذ أمد بعيد.

المشهد بات يبدو وكأن الغرب والولايات المتحدة يبحثان عن مبرر لإشعال الحرب فى المنطقة متخذين من الوجه الإسلامى لأنظمة الحكم العربية ذريعة لذلك، وهو مخطط كان يمكن أن يكتب له النجاح لولا مواقف الكنيسة المصرية تحديداً والأقوى تأثيراً فى العالم المسيحى الشرقى، والموازنة لنفوذ الفاتيكان فى مناطق كثيرة من العالم، ولولا اتجاه رياح الكراهية والغضب لتحرق أصابع من أشعلوها، فكان السيناريو المفترض لدى القائمين على إشعال الحرائق الدينية أن تتجه أفعال الانتقام إلى النسيج القبطى فى منظومة الدولة المصرية وإلى المسيحيين بوجه عام فى العالم الإسلامى ما يخلق ذريعة مقبولة للتدخل العسكرى الغربى لحماية منظومة القيم الدينية فى بلدان الربيع العربى، ولولا قبل ذلك كله عقلاء الأمة الذين أدركوا تفاصيل المشهد فى أولى لقطاته وقبل اكتماله، خاصة أن أبطاله والقائمين عليه خرجوا من النسيج القبطى المصرى ـ على طريقة سهم عربى مسموم ـ لأصبح المشهد جرحاً غائراً يستحيل مداواته أو التطهر منه.

البعض فى واشنطن وأوروبا تصوروا أن إشعال الحرائق لن يمسهم من قريب أو بعيد، وأن التمترس خلف حرية التعبير والرأى وفرضيات الاختلاف الثقافى والحضارى، هى لافتات يمكن الاختباء ورائها من المُسائلة السياسية والقانونية والأخلاقية، وكفيلة بحمايتهم من ردود الأفعال الغاضبة، لكن ذلك كله لم يفلح واتجهت رياح الكراهية بالسفن إلى مناطق الغرق، ودفع الأبرياء من أرواحهم ودمائهم ثمناً للعبث السياسى الذى تمارسه النخبة من خلف الستار على أشلاء الجثث.

لذلك كله لا أرى فى الفيلم وتوابعه من الرسوم المسيئة سوى أنه عمل استدراجى لكل الأطراف.. استدراج للإدارة الأمريكية للسقوط فى مستنقع جديد على غرار أفغانستان والعراق، واستدراج لأنظمة الربيع العربى لتسقط فى مواجهات غير محسوبة مع العسكرية الأمريكية.. واستدراج لعواصم إسلامية غارقة بالفعل فى مواجهات طائفية ودينية نحو مزيد من الغرق.. وأخيراً استدراج لأوروبا للسقوط فى مواجهات غير محسوبة مع مواطنيها المسلمين فى الداخل.

لكن يبقى السؤال هنا من هو المستفيد؟!.. الفرضيات دوماً تتحرك بسذاجة مفرطة فى اتجاه إسرائيل، ذلك العدو التقليدى الذى يستمزج كثيرون فى عالمنا العربى تحميله بكل نكباتنا إراحة للعقل وإرضاء للضمير، كما أنه تفسير قد يكون مقبولا للكثيرين إذا ما استرجعنا تاريخ العداء الممتد لعقود قريبة.. لكنى على النقيض من هذا كله أتصور أن إلهاء كل تلك الأطراف أمر مطلوب لصرف الانتباه عن ملفات نضجت واقتربت من الانفجار سواء فى طهران أو دمشق أو أفغانستان وباكستان، وترتيبات كونية تجرى بين قوى صينية روسية صاعدة وأخرى أمريكية أوروبية آخذة فى التآكل بفعل الأزمات الاقتصادية المتوالية.

ولا يخفى على أحد الخيط الرفيع بين سقوط دمشق فى أيدى الثوار وخروجها من منظومة الهلال الشيعى، وبين سقوط طهران فى مواجهة عسكرية مع القوى المتربصة ببرنامجها النووى.. لكن تبقى المبررات لحرب شاملة مفقودة، إذا ما علمنا أن تقديرات الخبراء ترى فعلياً فى الهجوم على برنامج طهران النووى عملاً قد يؤدى لاندلاع حرب عالمية.

ويصبح هنا من المنطقى استدعاء التاريخ من مرقده والدفع بالصراع الدينى إلى الواجهة ليقود الحرب المقدسة من جديد، ويحقق الشحن النفسى الكافى للدفع بالبسطاء إلى آلة الحرب لتحويلهم إلى أرقام من الضحايا وأرصدة بالبنوك فى حسابات شركات السلاح، ذلك المستفيد الأول من نهر الدماء.. علينا أن ندرك على ضفتى النهر أن الاستفزازات والإهانات لن تتوقف، بل سوف تتصاعد آملاً فى تحقيق الانفجار المرغوب، والبعض لن يتوانى عن بذل الغالى والنفيس لإشعال الحرب المقدسة.. وردود الأفعال العصبية سوف تتخذ تكأة لإنفاذ المخطط.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد

مقال رائع

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة