هل فقد المصريون تفاؤلهم؟ ولماذا اختفت الابتسامة من الوجوه؟ بعد شهور راهنوا فيها على أن الأحوال ستكون أفضل، وأنهم سيرتاحون بعد شهور من التعب واللهاث، شاركوا خلالها فى انتخابات مجلس الشعب والشورى والرئاسة لمرتين، غير انتخابات نقابية وعمالية، وكان عليهم أن يخلدوا للراحة بعد أن اختاروا ممثلين لهم يرسمون خريطة جديدة للحياة.
وبدلا من أن تكون الانتخابات بداية الراحة، فإذا بها جزء من التعب، دخل مجلس الشعب فى دهاليز الأحكام القضائية، بسبب الطمع السياسى، وتم حله ومازال يراوح مكانه، ليأتى الرئيس بسلطة تنفيذية ويحمل السلطة التشريعية لحين انتخاب مجلس للشعب.
كانت هناك إشارات تفاؤل سرعان ما خفتت أمام حالة من التزاحم، وعدم الفهم، واختلاط الأوراق، حولت السياسة إلى حرب بين أعداء، وليست منافسة لاختيار الأصلح.
تحولت مصر إلى مسرح وحفلات كلام ليلية أقرب إلى عروض تعرٍ سياسى، وبلاغات وبلاغات مضادة، وقضايا وطعون وألاعيب، يبحث أصحابها عن «الشو» أكثر من بحثهم عن الحقيقة، يبحثون عن النجومية والتصفيق، ويفضل فرض جدل عن زواج الطفلة، وخمسة ملايين شاب وفتاة عاجزون عن الزواج، وأربعين مليون فقير نصفهم تحت خط الفقر المدقع، يعيشون فى أحضان الفوضى والانفلات، ونقص السلع وارتفاع الأسعار، والسوق السوداء، وتردى أحوال المستشفيات فضلاً عن القمامة، وتراجع مستويات المعيشة، تنعكس فى وقفات وتظاهرات وخلع ملابس.
كان المصريون يحلمون بعدل وستر وكرامة، يترجمونها إلى رزق وأمان وراحة بال وابتسامة ونكتة وضحكة ولقمة، وظائف لأبنائهم تعود عليهم بأجر مناسب لتكاليف الحياة، تكافؤ للفرص، فى الوظائف المهمة، فى الشرطة، والقضاء، والدبلوماسية، والبنوك، أن تضمن الدولة لكل مواطن الحق فى العمل والتعليم والعلاج والمسكن، وضمان اجتماعى للشيخ، واليتيم، والضعيف، وأن المواطن يستحق أن يحصل على عمل يضمن له دخلا يكفيه هو وأسرته، وألا يبقى نصف الشعب فقيراً، ونصفه متسولا، وأن يتم إنهاء الوساطة وأن يصل الأكفأ إلى الموقع الأفضل، كان الشعب يتصور أن الفائزين فى البرلمان عليهم مهمة صعبة فى مرحلة بناء النظام السياسى، والعقد الاجتماعى الجديد مع المجتمع كله بتياراته وتناقضاته، لكن ما جرى هو مزيد من التشتت، والتصارع على الكراسى أكثر من التنافس على الأهداف.
الجمعية التأسيسية تحولت من وسيلة إلى غاية لحيازة الكراسى، ونقلت الخلاف من خريطة للمستقبل والتعليم والعلاج والحقوق والواجبات، إلى جدال حول سن زواج الأطفال، ومحاصرة الحريات بالخلاف البيزنطى حول سلطة الشعب وحقوق الله، والسيادة لله تعنى السيادة لعباده وإقامة العدل.
اختفت الأولويات وسط سيرك جدل عقيم، لا فرق فيه بين أغلبية وأقلية، الحلال بين والحرام بين والجدل كله حول المتشابهات، من أجل البقاء على المسرح، والتنطيط صباح مساء أمام الكاميرات، والشعب يتفرج ويضرب كفا بكف، ولا يعرف أين يذهب هذا المساء وكل مساء.. وكلما التفت وجد نفسه أمام سيرك منصوب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
m
ديكتاتورية الاقلية