أكاد أرى مصر الآن مثل البطة التى رقدت على بيضها لمدة ستين عاما، حتى إذا قامت ثورة 25 يناير 2011، نهضت من فوقه لترى البيض الذى ترقد عليه، قد توالى فقسه، وظهرت منه أحزاب سياسية، بعضها راح يجرى لأنه كان مكتمل النمو، وبعضها الآخر ما زال يتعثر فى مكانه ويزقزق.. وهناك بعض البيض الذى لم تخرج منه الأفــراخ بعد..
وهكذا كان لثورة يناير الفضل فى تفتح الحياة الحزبية فى مصر، وذلك من خلال تسهيل إجراءات الموافقة السريعة والناجزة لتشكيل الأحزاب إذا ما اجتمع لكل منها عدد معقول من الأتباع (خمسة آلاف) وإذا ما عرض مبادئه التى لا تتطابق تماما مع أحزاب أخرى – وإن كان هذا الشرط سوف يظل مطاطا!
وهنا يتساءل البعض: هل هذه الأحزاب السياسية التى فقست من البيض مؤخرا سوف تعيش كلها؟ والجواب بسيط للغاية، فإن بعض البيض تخرج منه الأفــراخ – كما قلت – مكتملة، وبعض الآخر ينتج أفراخا ضعيفة، وهناك بعد ذلك البيض "الممشش" أى الذى فسد بسبب ظروف الجو، أو عدم العناية الكافية به أثناء عملية الاحتضان، ومعنى ذلك أن الأحزاب القوية هى وحدها التى تستمر وتترسخ فى المجتمع المصرى، بينما سوف يختفى الضعيف منها بعد فترة قصيرة، وأخيرا هناك الأحزاب الهزيلة أى التى تولد مشوهة ومريضة سوف تسرع إلى الاختفاء والموت
والسؤال الثانى: كيف يحافظ حزب قوى على استمراره وحيويته؟ والإجابة بسيطة أيضا: فإن الحزب لا يقوم ولا يستمر إلا اعتمادا على قاعدة جماهيرية واسعة، ومقتنعة تماما بمبادئه، ولديها الأمل الواثق فى دعمه وانتصاره، ليس فقط فى صناديق الانتخاب، وإنما أيضا عندما يصل إلى السلطة فى البلاد، ويستطيع أن يحقق للمجتمع كله البرنامج الذى سبق أن أعده، ووعد به الجماهير.
لكن ما الذى يسقط مثل هذا الحزب؟ وهذا هو السؤال الثالث الذى تتلخص إجابته فى عدم تنفيذ الحزب لوعوده فى حل مشاكل الجماهير العاجلة، وبالنسبة لمصر فإن المشاكل كثيرة ومتشابكة: البطالة، والإسكان، والمواصلات، والعنوسة، والمرور، وحالة رغيف الخبز، وندرة أنبوبة البوتاجاز، وارتفاع أسعار السلع مع تدنى رواتب الموظفين الذين يفوق عددهم ستة ملايين، يعولون حوالى ثلاثين مليونا من سكان مصر.. فإذا أضفنا لذلك حال الزراعة والرى، وما يعانيه الفلاح المصرى منذ فترة طويلة، وجدنا أنفسنا أمام قائمة استحقاقات لا تتحمل التأخير ولا التسويف.. والشعب واقف على قدميه ينتظر: هل ستنفذ الحكومة التى سينتخب حزبها الحاكم له ذلك أم لا؟
أما السؤال الرابع والأخير فهو: ما هى احتمالات المستقبل؟ وأقول إنها واعدة، بشرط أن يقف نزيف الفساد على الفور وفى كل الجبهات، وأن نجد المسئولين مهمومين بالفعل بقضايا البلد، وأن ينتشر الوعى الصحيح وليس المزيف بحال مصر وإمكانياتها بالمقارنة مع مختلف دول العالم.