مثل كل الناس، هناك مسائل فى الشأن العام لا أهتم بها، ومنها مسألة جامعة زويل. فلم يخطر ببالى، وربما ببال الكثيرين، أن هذه المسألة سوف تصنع مشكلة من أى نوع. والسبب بسيط جدا أن الدكتور أحمد زويل عالم كبير، وحاصل على أكبر جائزة فى العالم، وجوائز أخرى، ومحل تقدير فى كل مكان يذهب إليه، لعلمه لا لشىء آخر، وقيمة نفخر بها وتفخر بها مصر رغم أنه يعيش فى أمريكا، وحاصل على جنسيتها، ويتحرك فى الحياة كمواطن أمريكى ليست لديه مشكلة فى زيارة إسرائيل أو الحصول على جوائزها. بالنسبة لى وضعه العلمى جعله فوق كل المواقف السياسية، وكنت أعرف أن احتفاء النظام السابق به احتفاء دعائى لا أكثر، وأنه لن يعطيه الفرصة لأى مشروعات علمية فى مصر. وأى شخص يعيش فى مصر كان يعرف أن النظام السابق لن يفعل له ولا للبلاد أى شىء، لذلك لم أندهش لما جرى، وانتهاء الحديث عن مشروعات علمية يكون على رأسها. رأيت الدكتور زويل كثيرا بعد ذلك فى التليفزيون يتحدث، كنت أستمع إلى كلامه فى العلم، أما كلامه فى السياسة فكنت أستمع إليه مبتسما، وأقول لنفسى ما بال هذا الرجل يتصور أن ما يقوله فى السياسة ستكون له قيمة ووقْع ما يقوله فى العلم. ولم أستمع إلى أى جديد سياسى أو اجتماعى فى كلامه. فى مصر الآن ملايين يتحدثون فى السياسة من كل الأجيال.. هذه المقدمة لأوضح لكم فقط، صدمتى الكبيرة فيما يحدث الآن بين جامعة زويل وجامعة النيل. جامعة زويل مشروع علمى لكن تحقيقه أخذ الطريق السياسى، وهنا الكارثة التى لم أتصورها. الذى أصدر قرار إنشاء جامعة زويل حدد مكانها فى جامعة النيل التى بدأت قبل الثورة أيام الدكتور أحمد نظيف. وليس معنى أنها بدأت أيام الدكتور نظيف أنها تنتمى للنظام السابق، فهى جامعة لها مبان وبها طلاب ومجلس أمناء، أو إدارة وأساتذة أجلاء عظام والله العظيم. تصورت مثل غيرى أن الجامعة الجديدة لن تكون نهاية للقديمة، وأنه ستكون هناك طريقة للاحتفاظ بجامعة النيل، خصوصا أننى أرى كل يوم الإعلانات عن التبرع لجامعة زويل التى لم تتم إقامتها بعد! ثم انكشفت القصة المحزنة، أن جامعة النيل لم يعد لها وجود عينى فى مكانها، طلابها محرومون من استخدام المعامل والمدرجات، ويتم البحث لهم عن مكان آخر، وبالطبع أساتذتهم أيضا. كيف يحدث ذلك، ومن يقبله؟ طلاب متفوقون وأساتذة عظام فجأة يجدون أنفسهم عرض الطريق لتقوم جامعة أخرى مكان جامعتهم!. هنا سقط مشروع جامعة زويل فى قلب السياسة. فى السنوات السابقة، تجاهلت سياسة النظام السابق زويل ومشروعه، وهنا جاء مشروع زويل على أنقاض مشروع قائم، أى عمل أقسى مما فعله النظام السابق معه، بينما مصر تحتاج إلى أكثر من جامعة للعلوم والبحوث، ولن يضيرها أبدا وجود جامعتين، لكن مشروع جامعة زويل هكذا يعلن، أنا وبعدى الطوفان!
تابعت اعتصام الطلاب والاعتداء عليهم من قبل الأمن الذى ناضلت الحركة السياسية والطلابية لخروجه من الجامعات، فدخلها يبطش بطلاب هم مشاريع علماء كبار.
وتابعت ما قاله الدكتور زويل من أنه طلب من الداخلية ألا تستخدم العنف مع الطلاب. يا ألطاف الله، اللهم صبرنا يارب، وهل اعتدى الطلاب على أرضك أو بيتك مثلا؟ هل اقتحموا مجالك الحيوى ومشروعك صدر له قرار أن يقام على أرضهم، بل على أنقاضهم بحيث تنتهى جامعة النيل وتختفى؟ كيف لعالم كبير أن يضع نفسه وسط هذا الصراع؟ وكيف من البداية لم يطلب الدكتور زويل أرضا جديدة ومكانا جديدا يقام لجامعة تحمل اسمه وكيف وكيف وكيف!. العالم هنا وضع نفسه فى بحر السياسة الذى لا يرحم، فإذا كان الأمر كذلك فأسهل شىء سيقال إن جامعة زويل هدمت جامعة أخرى ليأتى بعلم لا نعرف منه إلا ثقتنا فيه أنه عالم! وهذه الثقة لن تكفى أبدا لنسيان ما جرى. لقد فض الأمن بالقوة اعتصاما لطلاب فى بيتهم وليس فى بيت الدكتور زويل، لا كانت جامعة النيل من ماله الخاص، ولا من التبرعات لجامعته، هى موجودة من قبل ومستقرة. هنا ينفتح الباب للأسف للحديث عما يريد الدكتور زويل، هل يريد جامعة للعلم حقا؟ وهل يرى أن جامعة النيل بعلمائها وطلابها لا يساوون شيئا مثلا أمام علمه الذى لم نرَ منه فى مصر إلا اغتصابا لأرض الآخرين، مهما كان الذى أصدر له القرار أحمد شفيق، أم عصام شرف؟! أقارن بين وضع الدكتور زويل كعالم كبير ووضعه الآن إذا وضع اسمه علامة على أنقاض جامعة أخرى للعلوم والأبحاث الجديدة، وأتعجب من هذا الرجل كيف يوافق على ذلك؟، وما جدوى أى شىء يفعله على أنقاض شىء آخر؟. ولا يقول لى أحد من فضلكم إن جامعة النيل سيكون لها مكانها الجديد. جامعة النيل كانت هنا فى هذا المكان، وعلم زويل ليس مبررا لطرد العلماء الآخرين والشباب الذين هم علماء المستقبل، ولا جرح حتى مشاعرهم، فما بالك بضربهم وسحلهم على يد قوات الأمن التى يستطيع الدكتور زويل أن يطلب منها الرأفة، بينما الصحيح أن يطلب منها الابتعاد ومن نفسه أيضا، باحثا عن مكان آخر. الثورة العظيمة التى قامت فى 25 يناير لم تكن تتصور أبدا أن الدكتور زويل سيكون إحدى مشاكلها. يكفى ما تواجهه هذه الثورة من ارتداد الآن، وحرب لا تهدأ على شبابها. يا دكتور زويل كتبت لك ذلك على حسابك فى تويتر الذى لا أعرف هل تتابعه أم لا، وأعيده عليك الآن: أنت عالم فانْجُ باسمك من هذا الفعل السياسى، واستمع إلى العلماء الآخرين الذين يناشدونك بالحق، وعلى رأسهم الدكتور إبراهيم بدران أحد أعظم علماء وأطباء هذه الأمة، والذى لا يختلف علمه عن فضائله، والذى هو العلم والفضيلة تمشى على قدمين. وغيره كثير قالوا لك ذلك ولا يعيبهم أنهم فى جامعة النيل، لكن يعيبك أنت وإلى الأبد أنك تهدم جامعتهم. لن ينسى التاريخ هذا أبدا مهما قدمت من علم، العالم واسع والأرض الخلاء فى مصر كبيرة لا نهاية لها. بل أخشى كما أبعدك النظام السابق أن يبعدك الشعب نفسه هذه المرة، ويارب صبرنا على العلماء الكبار الذين يشوّهون أسماءهم بالسياسة مثل حضرتك.