فوضى الطريق الدائرى

إذا أردت أن تعرف فوضى المرور، فعليك بركوب الطريق الدائرى متجها إلى طريق مصر إسكندرية الزراعى فى رحلة العودة من القاهرة إلى محافظات دلتا مصر، فعلى الطريقين ستعرف أيضا نموذجا فاضحا لقمة الفوضى المرورية فى مصر.

وإذا أردت أن تعرف قمة التوتر العصبى والنفسى للآلاف الذين يخوضون هذه الرحلة اليومية فعليك أن تجربها مرة واحدة، وإذا أردت أن تعرف قمة الفشل فى برنامج الرئيس للمائة يوم الأولى فى مسألة القضاء على المشكلات المرورية فيها، فلتذهب إلى هذه الرحلة، حتى تعرف أن وضع الطريق ليس كما كان، بل يزداد سوءا، والمأساة أن أوضاعه السيئة تبقى كما هى يوميا، وكأنه خارج أى اهتمامات من المسؤولين، فلا علاج لكوارثه، ولا استماع أو اهتمام بمشاكله اليومية التى يتحدث عنها كل المترددين عليه يوميا.

ظل الطريق الدائرى لسنوات، نموذجا فى اختصار الوقت بالهروب من الاختناقات المرورية داخل القاهرة، وكان هذا هو الغرض الأساسى من إنشائه، لكنه اليوم أصبح طاردا لهذا الغرض، والدليل أن المسافة التى تقطعها عليه من ميدان لبنان إلى منزل طريق الإسكندرية الزراعى لم تكن تستغرق فى الظروف الطبيعية أكثر من ربع ساعة، لكنها الآن تستغرق نحو ساعة ونصف، وفور أن تستلم طريق مصر - الإسكندرية الزراعى، فأنت على موعد مع مأساة أخرى، حيث المسافة التى تستغرق دقائق معدودة تستغرق ساعة كاملة.
حين تشتد أزمات البنزين والسولار، تصطف عشرات السيارات أمام محطات الوقود فى فوضى عارمة، أما سيارات النقل الثقيل فتسير يوميا بلا ضابط ولا رابط، وإذا عملت نقطة التفتيش المرورية الموجودة على الطريق الدائرى، فهى تساهم فى الاختناق المرورى بدلا من تسهيله.

فى حسابات الخسائر الاقتصادية يوجد ما يسمى بـ«ثمار الوقت»، والذى يقوم على حساب الوقت المستنزف فى شتى مجالات حياتنا دون فائدة، والمواصلات نموذج دال على ذلك، فالسيارة التى تقطع رحلتها أضعاف زمنها الطبيعى، يترتب عليها استهلاك أكبر فى الوقود، وبالتالى ترتفع نسبة الاستهلاك العامة له، مما يؤدى إلى تكرار أزمات البنزين والسولار، فتلجأ الحكومة إلى رفع الأسعار، ولا تلتفت إلى علاج جذرى لأزمات المرور، ولا يقف الأمر عند هذا الحد فضياع وقت الناس خسائره أفدح، ولو تم حسابه بطريقة علمية صحيحة سنكتشف أن وقت معظم المصريين يضيع بهذه الطريقة الفادحة.