القلب هو سلطان الجسد. إنه السيد المطاع. ما يحبه القلب يحبه العقل والجسد ويسيران على هواه سواء كان المحبوب طيبا أو خبيثا. كما تطيعه بقية الأعضاء. ولقد خاطب الله سبحانه وتعالى القلب فى مواقع كثيرة لأنه مصدر القوة والهيمنة وفيه يكمن الإيمان والصلاح وأيضا الكفر والفساد. وشتان بين القلب المؤمن والقلب الكافر الجاحد. ولذلك قال خير خلق الله عليه الصلاة والسلام: «إن فى الجسد مضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب». إن القلوب إذا رقت رأت ملكوت الله وأدركت الخلق والعدم والضلال والفساد وشعرت وفهمت معنى المقولة «إن الله ناظر إلىّ إن الله شاهد علىّ» أما إذا قست القلوب فهى تسير بصاحبها نحو الهلاك الحتمى. القلب القاسى كما قال بعض الصالحين «هو القلب الذى لا تزجره عن المخالفات مشاهدة مراقبة الحق عليه. وبعضهم قال «إن القلب القاسى هو القلب الذى يبالى بارتكابه للمعصية». ويرفض النصيحة ويغمض عينيه عن النور وجمال الكون وجمال الإنسان وهو فى هذا أشد قسوة من الصخور إلا أن بعض الصخور يتفجر منها ماء طيب وجاء فى القرآن «وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّه».
القلب السليم هو الذى عرف مصدر النور والخير فى الكون وفى عالمه الذاتى وعرف أن السعادة فى قربه منه سبحانه وتعالى وبعده عنه يسبب ألما وبكاء قلبيا لا حد له حتى يرضى العلى القدير. وعن القلب السليم قال الشيخ أبوسليمان الدارانى: هو القلب الذى ليس فيه غير الله تعالى. وقال الشيخ أبوبكر الترمذى رضى عنه: هو الراضى بمجارى المقدور عليه فى المحبوب والمكروه. أما الشيخ العارف بالله ذو النون المصرى فيقول: القلب السليم هو الذى لا يكون فيه إلا الخير.
أما العارف بالله الشيخ الجنيد البغدادى رضى الله عنه فقال: القلب السليم الذى لا يكون فيه إلا حبه «يعنى حب الله سبحانه وتعالى. وقال الشيخ ابن عطاء الأدمى رضى الله عنه القلب السليم هو القلب الطالب لرضى الله فى كل حال».
القلب هو جوهرة سعادة الإنسان ولكن هذه الجوهرة ترق وتنير وترتقى بذكر الله سبحانه وتعالى فتصبح وعاء أنوار وبيت أسرار تتلقاها من العزيز الجبار طوال الليل والنهار، ولذلك قال الله ربنا سبحانه وتعالى فى حديث قدسى: «لا تسعنى أرضى وسمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن». فمن جعل قلبه كعبة لله أى بيتا لله فهو من الفائزين فى الدنيا والآخرة.