كان اتجاه مصر شرقا قبل سبعينيات القرن الفائت «العشرين»، وفى زمن الحرب الباردة، له دلالته الاقتصادية والسياسية على مجمل توجهات النظام الحاكم فى مصر، إذ كان الشرق يعنى آنذاك المعسكر الاشتراكى بقيادة الاتحاد السوفيتى والصين بعد الثورة الشيوعية فى 1949 بشكل أساسى. وقد تولت دول هذا المعسكر تقديم المساعدات الاقتصادية لدول العالم الثالث التى كانت أصلا مستعمرات لدول أوروبا الرأسمالية، ولم تتركها إلا بعد نضال مرير أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها، وبعد تكبيلها بمعاهدات تضمن استمرار المصالح والنفوذ بطريقة أو بأخرى، حتى لقد قيل وقتها إن الاستعمار خرج من الباب ودخل من شباك الاقتصاد.
وكان من الطبيعى ألا تجد تلك المستعمرات التى استقلت، وكانت سوقا تابعة للرأسمالية العالمية، إلا طريق التنمية الاشتراكية لتأكيد استقلالها السياسى، وبناء القوة الاقتصادية لإقامة العدالة الاجتماعية. وفى هذا المنعطف نشأت حركة الحياد الإيجابى «إبريل 1955»، ثم حركة عدم الانحياز «سبتمبر 1960»، وكانت مصر إحدى الدول المؤسسة، وحصلت بوساطة الصين على صفقة الأسلحة التشيكية «سبتمبر 1955»، ثم على موافقة الاتحاد السوفيتى على بناء السد العالى بعد مناورات أمريكية - بريطانية لمنع مصر من الحصول على السلاح أو بناء السد، ومن هنا كان للاتجاه شرقا مغزى ومعنى.
ثم دارت الأيام والصراع قائم بين الشرق والغرب من أجل الهيمنة والحيازة، حتى تمكّن المعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة من إنهاء الحرب الباردة على مراحل، ابتداء من تحطيم جدار برلين «نوفمبر 1989»، ثم تفكيك الاتحاد السوفيتى «ديسمبر 1991»، وانهيار حكم الأحزاب الشيوعية فى أوروبا الشرقية «البلقان»، بل إن دول المعسكر الشرقى بدأت تأخذ بآليات السوق الرأسمالية فى تنظيم الاقتصاد، وتركت مواطنيها أسرى آلية العرض والطلب، فبدأ التضخم والبطالة.. إلخ. وقبل أن يحدث هذا التحول الدرامى فى المعسكر الشرقى بنحو خمسة عشر عاما، كانت الصين بعد رحيل ماو تسى تونج «أكتوبر 1976» قد بدأت تأخذ بالطريق الرأسمالى فى التنمية على طريق الرئيس السادات، فيما عرف بسياسة الانفتاح، ابتداء من منتصف عام 1974. وباستكمال مسيرة الآليات الرأسمالية فى المعسكر الشرقى أصبح الشرق غربا، ولم تعد هناك فروق جوهرية، بل إن الصين أصبحت قوة اقتصادية جبارة تنافس الولايات المتحدة الأمريكية فى أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا، ومن ثم بدأت الولايات المتحدة تسعى لتدمير قوة الصين عن طريق التشهير بصناعاتها، أو بالعمل على تفكيكها إلى كيانات قومية ومذهبية طبقا لمبدأ «الفوضى الخلاقة».
والحال كذلك، فإن الاتجاه شرقا لم يعد يثير مخاوف أيديولوجية مثلما كان فى السابق. وعندما تذهب مصر إلى الصين التى انضمت إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 وسياستها الاقتصادية تقوم على التصدير والاستثمار الخارجى، فكأنها ذهبت إلى أمريكا، أو إلى أى دولة رأسمالية، لأن قاعدة النظام الرأسمالى واحدة فى التعامل، ويبقى الاختلاف طفيفا فى شروط العطاء.
إن الاستثمارات الصينية القادمة بناء على زيارة الرئيس مرسى تختص بمجالات الاتصالات والكابلات وصناعة «الآى باد»، وغير ذلك من مجالات لا علاقة لها بالتنمية التى تحتاجها مصر لتتجاوز أزمتها الاقتصادية، وتصبح على طريق شعار ثورة يناير فى العدالة الاجتماعية. وهكذا تبقى محنتنا فى مصر مع كل رئيس جديد.. الطنطنة بأفعاله، والامتناع عن نقد سياساته وتوجهاته.
وما دامت الجمهورية الجديدة تأخذ بمنهج السوق، وآليات العرض والطلب، فلا فرق بينها وبين دولة السادات - مبارك، سواء اتجهت شرقا أم غربا، ولا فرق بين الاتجاه إلى الصين، أو إلى صندوق النقد الدولى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد كمال
سعادتك عاوز أيه ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
وليد
أحسنت يا أستاذ..و لكن...
عدد الردود 0
بواسطة:
وحيد
اسمع جع جهة ولا ارى طحنا
عدد الردود 0
بواسطة:
صلاح الدين
لا فرق بينها وبين وبين دولة السادات - مبارك