أيا كانت حركة المحافظين فإنها تغيير من أعلى، تعيد الحديث حول المحليات.. الدعوة لانتخاب المحافظين ماتزال قائمة، لكن التطبيق ليس سهلا، ويحتاج تغيير قوانين الإدارة المحلية، لكن الأهم هو انتخاب المجالس الشعبية المحلية، بما يمنحها سلطة التشريع والرقابة واتخاذ القرارات المالية والإدارية الكبرى، وهى التى تحاسب المحافظين ورؤساء المدن والقرى الذين كانوا دائما محافظين على مصالح النظام والفساد.
لكن الجدل حول اختيارات المحافظين الجدد يتعلق بمن ينتمى منهم لجماعة الإخوان، أو اللواءات والمستشارين وأساتذة الجامعات. دون التطرق لكون استمرار الطريقة القديمة، لن يقود إلى تحسن كبير، حتى لو كان المحافظون أقل فسادا وأكثر طهارة، خاصة أن اختيار المحافظين يتزامن مع حديث آخر عن انتخابات مجلس الشعب، بينما يجب التفكير فى المحافظين كجزء من عملية تغيير حقيقى بعد أن وصل الفساد والترهل إلى صورة تتجاوز العقل، واستمرارها بالشكل الحالى يعنى عدم الرغبة فى التغيير.
المجالس المحلية يتجاوز عدد أعضائها الخمسين ألفا، وملايين من الموظفين المحليين فى الإدارات المختلفة فى المدن والقرى، يديرون الحياة فعليا ومسؤولون عن شؤون المياه والصرف والغذاء والصحة والكهرباء والوقود والخبز، وهى التى تقوم بدور التشريع للمدن والقرى والأحياء، وتحل المشكلات الصغيرة والكبيرة، ولا يتم تصعيد المشكلات اليومية للعاصمة، ولهذا فإن التغيير فى أوروبا يبدأ من المحليات التى تحدد الحزب الذى يفوز فى الانتخابات العامة.. لكنها عندنا مصدر للفساد، لكن عندنا كانت المحليات مصدرا للفساد، وكان الحزب الوطنى يحرص على أن تبقى المجالس المحلية الشعبية فى طاعته، وهو أمر ساهم فى إفسادها وتحويلها إلى أدوات للسيطرة السياسية وليس أدوات للحكم، فلا هى منتخبة ولا معينة وإنما يتم تفريخها بانتخابات صورية مزيفة، بما يحقق السيطرة السياسية ويحرم المواطنين من أهم أدوات الإدارة.، تحدثوا كثيرا عن قانون الإدارة المحلية التى انتزعت صلاحيتها وانتزع منها حق الاستجواب والمساءلة للمحافظين والموظفين الكبار، وأصبحت مطية للحزب الوطنى يكتسحها بالتزوير، وظل قانون المحليات واللامركزية قيد المناقشة طوال أكثر من عشر سنوات.
الآن نحن فى حاجة لإعادة بناء قانون المحليات، ليس فقط قوانين الانتخابات، لكن القوانين التى تجعل المجالس المحلية فاعلة وقادرة على مواجهة المشكلات وحلها ومواجهة ومراقبة الأداء الحكومى.
المحليات لا تأخذ من اهتمام التيارات السياسية، باستثناء جماعة الإخوان وحزبها، وهو اهتمام لا يمكن لأحد أن يلومهم عليه، اللوم يقع على التيارات السياسية والأحزاب التى تحصر نفسها فى العاصمة وتكتفى بمؤتمرات، وليس لديها تصورات حول ما تريده من المحليات.
وإذا كنا نفكر فى تغيير فعلى للنظام، فالبداية من المجالس المحلية التى يجب أن تكون المكان الذى يبدأ منه الشباب ويمثل فيها المواطنون تمثيلا حقيقيا، وأظن أن أى حزب يفكر فى الدخول إلى عالم السياسة عليه أن يبدأ بالسعى من المحليات، وليس من القاهرة، وربما على من يديرون الأمور الآن، أن يتعلموا من درس النظام السابق، وألا يحولوا المحليات لأداة سيطرة بل إلى أداة حكم.