أثار قيام وزير العدل المستشار أحمد مكى بإعداد مشروع قانون جديد للطوارئ للتصدى لحالات البلطجة، وقطع الطرق التى تواجهها البلاد فى الوقت الحالى- حالة من الجدل ما بين مؤيد ومعارض لمواجهة حالات البلطجة وقطع الطرق، لأن قانون الطوارئ ليس به أى ضمانات تذكر لحقوق الإنسان، فضلاً على أنه يعطى صلاحيات مطلقة للسلطة التنفيذية.
فى واقع الأمر، فإن قانون العقوبات به من المواد ما يكفى لمواجهة البلطجة، وقطع الطرق، ومثال ذلك المواد التى تنص على عقوبة ثلاث سنوات لمن يقوم بتعطيل وسائل الإنتاج والمواصلات وقطع الطرق، حتى لو لم يؤذ أحدا، هذا بخلاف صياغة بعض المواد فى القانون الجديد، مثل المادة الأولى التى لم تحدد بشكل قاطع الحالات التى يطبق فيها القانون، فضلا على بعض الصياغات المطاطة التى يمكن أن تحمل أكثر من معنى.
وبمراجعة قانون الطوارئ الحالى نجد أنه قانون سيئ جدا، ويعصف بكل الحقوق والحريات، حيث يجيز القبض على المواطنين، واحتجازهم دون إبداء أسباب، كما يتم التظلم أمام محكمة خاصة استثنائية، هى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، بل يجيز مراقبة التليفونات والبريد، ومصادرة الصحف، والرقابة على المطبوعات، ويجيز أيضاً الاستيلاء على الممتلكات، هذا بخلاف الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية، ووزير الداخلية فى التعرض لكل الحقوق والحريات وذلك وفقاً للقانون، فالسلطة التنفيذية تمتلك سلطات واسعة لوضع القيود على حرية الأفراد وحقوقهم الدستورية، منها سلطة وضع القيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والإقامة، والقبض على المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن واعتقالهم، وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقييد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، فضلاً على مراقبة الرسائل والصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات. وبرغم التحسينات التى أدخلها المستشار أحمد مكى على قانون الطوارئ، فإنه مازال قانوناً استثنائياً.
فى اعتقادى، إن إشكالية انهيار الأمن ليست بحاجة إلى تشريعات استثنائية، بقدر ما هى بحاجة إلى تطبيق القانون. وقانونا العقوبات والإجراءات الجنائية فيهما ما يكفى لمواجهة البلطجة، وتوفير الأمن والأمان للمواطنين. لكن المعضلة الأساسية هنا هى كيفية المواءمة بين تطبيق القانون بما يضمن حرية المواطن، وبما يضمن أيضاً توفير الأمن والأمان للشارع، حتى لا نقع فى أخطاء الماضى، عندما ترتكب أبشع الجرائم باسم القانون.
والأهم من ذلك كله أن تعديل قانون الطوارئ أو مواد فيه يعتبر استعجالاً غير مبرر، فمن الأهمية الانتظار حتى يتم انتخاب برلمان جديد يتولى هذا الأمر، لا سيما فى ضوء الحساسية المفرطة لدى المواطن المصرى من الطوارئ التى استمرت لمدة أكثر من 3 عقود كاملة، بل لقد جرت باسمه كل الجرائم والانتهاكات بحق هذا المواطن. ومن هذا المنطلق لا بد فى المرحلة الحالية تحديد الحالة التى تفرض فيها حالة الطوارئ، وبالتالى يطبق فيها القانون، لأن القانون السابق قد تركها مطلقة، فهى تفرض فى حالات محددة، مثل حالة الحرب، أو حالة التهديد بالحرب والكوارث الطبيعية فقط، ولفترة محدودة، وعدم تجديدها إلا بشروط دقيقة، وتحت رقابة حقيقية وفعلية للسلطة التشريعية.
وتبقى كلمة أخيرة.. إنه من إيجابيات ثورة 25 أن الطوارئ قد انتهت، ولكن رجوع حالة الطوارئ فى شكل قانون يعتبر بمثابة أمر بالغ الخطورة على حقوق وحريات الأفراد، كما أنه من الملاحظ أن الحكومة السابقة قد سعت منذ اغتيال الرئيس السادات إلى استخدام «الإرهاب» كذريعة لاستمرار فرض حالة الطوارئ، ولكن حكومة بعد الثورة تستخدم «الأمن» كذريعة جديدة لإعادة إنتاج ثوب جديد لقانون الطوارئ، وستنتهك الحقوق والحريات أيضاً باسم حماية «الأمن»، ولكن بموجب قانون مكى!، وكأنه حكم على المصريين أن يبقوا للأبد بين «سندان الأمن» و«مطرقة الطوارئ».