من جديد عدنا لنفس لدائرة جهنم المقسومة شطرين، أحدهما مدنى، والآخر دينى.. والغريب أن الدائرة عادت بنفس الأخطاء التى عانى منها هذا الشعب المسكين الذى يجرى استقطابه دائما بين ثنائيات لا حصر لها، وعليه أن يختار أحد طرفيها.
عانينا من تجربة التفتت والتشتت الغريب والمريب داخل التيارات المدنية بأطيافها وإيديولوجياتها المختلفة، اليسارية والليبرالية.. والرغبة المحمومة لقيادات هذا التيار فى الزعامة المتفردة، بحيث تصبح هذه القيادة هى البطل الشعبى الذى أنقذ الأمة المصرية من عصور الظلام الإخوانية القادمة!! فى السابق رفضت هذه القيادات الجلوس معا، وأبت إلا أن يسير كل منها فى طريقه ظنا منه أنه الرابح لا محالة، وأنه على الآخرين السعى والجرى نحوه، دون أن يبادر هو ولو بخطوة نحوهم.. لم يغب عن ذاكرتنا بعد ما سمى بمجموعة المائة من النخبة السياسية التى حاولت عبثا التوفيق بين مرشحى الثورة فى انتخابات الرئاسة، والاتفاق على مرشح واحد تسير الجموع خلفه، حتى سقط الجميع سقطة مدوية أمام مرشحين أحدهما فلول والآخر ترشح احتياطيا قبل إغلاق باب الترشح بساعات معدودة.. وسبحان الله كان هو الفائز فى النهاية.
تعود التيارات المدنية من جديد بعد فترة من التقاط الأنفاس لتمارس نفس الخطايا السياسية من جديد.. تتغير الوجوه والأشخاص.. وتبقى الأساليب والممارسات.. مازال حمدين صباحى يصر على العزف منفردا، وقيادة ما يسمى بالتيار الشعبى دون أن نعرف ماهية هذا التيار، ولا كم يبلغ أعضاؤه ومؤيدوه، ولا استراتيجيته وأهدافه فى المرحلة القادمة.. كل ما نعرفه أن حمدين يصر على إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد الانتهاء من الدستور، مع العلم أنه لا يعترف من الأساس بالجمعية التأسيسية للدستور، لكنه الشوق نحو المنصب الكبير.. وبعد طول انتظار لحق البرادعى بالقطار، وأسس ومعه نخبة كبيرة من الداعين الى الليبرالية تأسيس حزب الدستور، والهدف كما يقول هو ضم خمسة ملايين عضو، واكتساح الانتخابات البرلمانية المقبلة والحصول على أغلبية تمكنه من قيادة الدولة.. لا تسأل من أين له هذه الثقة.. فقط انتظر لترى بنفسك النتائج!!.. لا تبدو فكرة التعاون مع أحزاب أو تيارات ليبرالية أخرى موجودة فى ذهن البرادعى، وإن وجدت فيجب أن يكون هو على رأس القيادة.. لن يقبل البرادعى بأقل من ذلك.. ومن ثم سيبقى حزب الدستور وحيدا فى الساحة.
بريق الأمل بدا فيما يسمى الاندماج الليبرالى للأحزاب العشرة أو العشرين بقيادة متوقعة لعمرو موسى، وينضم تحت لوائه مجموعة من الأحزاب الكبيرة والصغيرة.. ولكنه لن يترك أثره الا بتحالفات أخرى قوية، هذا إن كتب له الاستمرار من الأساس.. فعوامل الفرقة تبدو دائما هى الغالبة.. أى أننا أمام ثلاثة تيارات مدنية لن تتحد معا.. خدها منى كلمة.. وحسبما يلوح فى الأفق، ستمنى هذه التيارات بهزيمة جديدة أمام التيارات الإسلامية الأكثر تنظيما وتعاونا واتحاد وقربا من الناس.. الكثير يراهنون على أخطاء الإخوان فى الفترة الماضية.. والإخوان يراهنون على شعبية مرسى المتزايدة أيضا.. وعلى توظيفهم الدين فى الدعاية الانتخابية.. وتعاونهم مع السلفيين الذين لم يبخلوا بجهد فى الهجوم على أنصار التيار المدنى حتى أن حازم صلاح أبو اسماعيل وصفهم بمختطفى الإسلام الذين لا يريدون لمصر أن تكون دولة إسلامية.. هل تفيق قيادات التيار المدنى هذه المرة أم يظل حلم الزعامة الوهمية مسيطرا على خيالاتها التى أتمنى ألا تكون مريضة؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة