التقى الرئيس مرسى الفنانين والمثقفين، واستمع لمخاوفهم، وقال كلاما مطمئنا، بعض من حضروا اللقاء خرجوا بانطباعات إيجابية، تشير إلى تفهم الرئيس للمخاوف، ووعده بألا يسمح بإهانة الفنانين، أو مصادرة الإبداع والثقافة، وهى خطة تكشف عن حسن نية وتفهم، لكن الغضب جاء من أطراف أخرى تنتمى لتيارات دينية ترى أن الفن عموما ليس إبداعا وإنما هو فساد للأخلاق والعقيدة، ويمثل هؤلاء بعض الدعاة الذين يتبنون هذا الرأى بدرجات مختلفة، بعضهم يشاهد بشكل موسع، لكنه يبدى ضيقا، والبعض الآخر ينادى بالرقابة التامة والاستئصال، وهو انقسام يكشفه التعليق على اللقاء ومادار فيه.
وعلينا الاعتراف بأن دعاة المصادرة وإن كانوا نجوما، إلا أنهم نسبة من المجتمع، والدليل نسبة المشاهدة للمسلسلات والأفلام، ثم إن دعاة المصادرة والرقابة موجودون فى كل المجتمعات بما فيها أوروبا وأمريكا، وهى دول ليست متفرغة للإباحية، كما يصور خيال البعض لأنهم لو كانوا متفرغين لما كنا نستورد منهم كل شىء حتى أدوات الرقابة.
عمليا هل يمكن نجاح فرض الرقابة؟.. الواقع يقول إننا فى عصر السماوات المفتوحة والمعلومات الممتدة، ولم تعد الصحف والتليفزيونات والإذاعة هى فقط أدوات الإعلام، هناك الفضاء الإلكترونى الأسرع والأكثر انتشاراً والذى لا يمكن منعه مثلما كان فى السابق، زمان كان النظام السياسى يحتكر أدوات الإعلام ويبث فيها ما يريد للشعب أن يعرفه أو بمعنى آخر ما يجهله، ومتصورا أنه يتحكم فى الناس، لكن الدنيا تغيرت، فقد كان مواطنو الدول القمعية يلجأون إلى إذاعات الدول الحرة ليعرفوا أخبار بلادهم الحقيقية، الآن لم يعد ممكنا احتكار أى نظام حاكم للإعلام مهما كانت قدراته، لأنه ببساطة إن تحكم فى الإعلام الرسمى سوف يتجه الناس للفضائيات، وإن منعها على النايل سات سيلجأ الناس إلى الأقمار الأخرى الأوروبية أو غيرها.
وحتى الأسر التى تريد أن تحمى أبناءها من المواد الإباحية أو الإجرامية، فإنها تواجه صعوبة فى فعل ذلك، ولا بديل إلا أن تحاور الأبناء وتقنعهم بخطر هذه المواد، وأن يضع المجتمع القواعد التى تحمى الأطفال، وبالنسبة للشخص العادى الذى يرفض مشاهدة فيلم أو مواد يراها خارجه ماعليه إلا أن يغير الريموت إلى القناة التى يريدها أو يتوقف عن المشاهدة نهائيا ليريح نفسه، لكنا نلاحظ أن كثيرين يلجأون للمنع فى العلن، فيلجأ الأبناء إليه فى السر، ومن لا يصدق يمكنه مراجعة الدراسات والإحصاءات التى تكشف أن الدول الأكثر فرضا للرقابة هى أكثر الدول التى يلجأ مواطنوها سرا للمواد المحظورة سواء كانت سياسية أو إباحية، والأهم أن بعض الدول القمعية ومنها دول عربية مختلفة، كانت حتى وقت قريب تمنع نشر أى أخبار عن الجرائم، خاصة تلك التى تتعلق بالجريمة الأسرية أو الأخلاقية، والنتيجة أن الإنترنت كان يمتلئ بقصص الجرائم، ونكتشف أن المجتمع الذى يبدو مثاليا هو مجتمع مزدحم بالشذوذ والإباحية، ونكتشف أيضا أن المنع هدفه محاصرة أخبار الفساد التى يمارسها الحكام، بينما المجتمعات المفتوحة والديمقراطية أقل فسادا، وأقل كلاما ونصائح نظرية لا يترجمها العمل، لأن الرقابة لا تفيد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة