قانون حرية تداول المعلومات نقلة نوعية مطلوبة لتحقيق الإفصاح والشفافية،وكفالة حق الأفراد فى الحصول على المعلومات، ولاشك أن القانون يدعم التحول الديمقراطى وآليات المحاسبة والتقييم، لذلك طالبت به القوى الوطنية الإصلاحية والثورية قبل وبعد الثورة، واقترح عدد من منظمات المجتمع المدنى ومؤرخين وإعلاميين وباحثين مسودات جيدة لقانون تداول المعلومات، وكنت شخصيا من المتحمسين له، لكنى الآن ومن حيث المبدأ، أرفض إصداره على يد مجلس الشورى الحالى. من غير المنطقى تمرير القانون فى ظل انقسام واستقطاب سياسى واجتماعى عنيف، ومع وجود مجلس شورى انتخب %7 من المصريين ثلثى أعضائه، وقام الرئيس مرسى بتعيين الثلث المتبقى من المنتمين أو القريبين للتيار الإسلامى. ومن الأفضل أن يقتصر الدور التشريعى لمجلس الشورى على إصدار قانون الانتخابات فقط، لأنه لا يمثل أطياف المجتمع، ويخضع لهيمنة إخوانية تسعى للسيطرة والاستحواذ على الدولة والمجتمع.
إذا كان من خطيئة فلتكن واحدة وأخيرة!! وهى قانون الانتخابات والذى أتعشم أن لا يختلف كثيرا عن سابقه، وأن يحافظ على التقسيم الحالى للدوائر، أما إصدار قوانين جديدة من بينها حرية تداول المعلومات فإنها تثير كثيرا من الشكوك خاصة فى ظل الانقسام وعدم الثقة بين كل أطراف اللعبة السياسية، لأنه من غير المقبول أن نكون على أبواب انتخابات برلمانية ويسرع مجلس الشورى المطعون فى شرعيته بإصدار قوانين جديدة، طبعا سيقال إن الوطن فى حاجة لهذه القوانين، ومن المكن للبرلمان الجديد أن يقوم بتعديلها، وهو منطق مرفوض تماما، ويجسد منهج الإخوان المراوغ والمطاطى والذى سبق استخدامه عند إقرار الدستور، وتكفى هنا الإشارة إلى أن جلسات الحوار الوطنى الزائف التى تقتصر على ممثلين للتيار الإسلامى والمتحالفين معه انتهت إلى مقترحات بتعديل 164 مادة من أصل 225 مادة!! ما يطرح تساؤلا بديهيا حول سر الاستعجال فى سلق الدستور وتمريره من دون توافق وطنى.
لا أريد أن يتكرر سيناريو سلق الدستور والقوانين.. ثم نعدل فيها بعد ذلك، لأنه استخفاف بالعقول و«هرتلة» تبدد الوقت والطاقة ولا تحقق الاستقرار والأخطر أن تسىء لمكانة الدولة وهيبة التشريع. وبالتالى أفضل تأجيل إقرار مجلس الشورى لقانون تداول المعلومات وغيره من القوانين لحين انتخاب برلمان جديد.. قناعتى بعد قراءة متعمقة لمشروع حرية تداول المعلومات أنه أقل بكثير من المطلوب، ولا يلبى المعايير الدولية، وجاء فى مجمله أقل بكثير من مسودات متكاملة بقوانين اقترحها خبراء وباحثون مستقلون، فالقانون المقترح يمنح الهيئات العامة والخاصة حق تقرير درجة سرية المعلومات، وتكلفة الحصول عليها، ولا يضمن سرعة توفير المعلومات لمن يطلبها، ويمنح السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية حق تعيين أغلبية أعضاء المجلس الأعلى للبيانات والمعلومات، كما ينص على عقوبة السجن سنة أو الغرامة بعشرة آلاف جنيه، وهى عقوبة هينة تشجع على مخالفة القانون أو التحايل عليه، بينما تنص القوانين فى كثير من الدول الديمقراطية على عقوبات أشد، كما تحمى أى موظف فى الحكومة أو القطاع الخاص من أى عقوبات إدارية أو جنائية فى حالة قيامه بنشر معلومات وبيانات تكشف عن تهديدات للأمن القومى أو الصحة العامة.. القانون المقترح سكت عن أمور كثيرة منها الاستقلال المالى والإدارى للمجلس الأعلى للبيانات، وضمان الاستقلال الحزبى لأعضائه، لذلك أرى من الضرورى مناقشة وتطوير مسودة القانون التى طرحتها وزارة العدل باعتباره واحدا من مقترحات عديدة قدمها المجتمع المدنى وباحثون ومؤرخون، ولاشك أن الحوار المجتمعى سينضج مشروع قانون تداول المعلومات إلى أن يقوم مجلس الشعب الجديد بمناقشته وإقراره.