فى عيد ميلاده الثامن والسبعين، يستحق أن نقول له: كل سنة وأنت طيب.. كل عام وأنت منور الوطن.. كل شهر وأنت مبدع.. كل يوم وأنت إنسان.. كل ساعة وأنت راهب فى محراب التنوير.. كل دقيقة وأنت مصرى.. نعم بهاء طاهر يستحق أن نقطف له زهرة من بستان الوطن، ونهديها لمن عشق ترابه.. يستحق أن نهدى له نسمة من الثغر تكلل جبينه الأبيض، وتهفو بذكرياتها الآتية من الإسكندرية الكوزمبوليتانية لترمى عليه السلام.. وتبلغه تحيات مارية وكوستا ومانويلى وبار الشيخ على.. يستحق بهاء طاهر أن نقبل كفه الذى حملت القلم، وكتبت عن مصر لآلئ الكلم، وعن الإنسان المصرى تاريخاً وجغرافيا وحضارة ومجتمعا.. فأبدع وتألق وهو يكتب عن البشر مقروناً بالحجر، وعن المعنى موصولاً بالمبنى، ويستخدم العبارة جلية تحمل آفاقاً ومنارات، يعلمنا كيف يكون الكاتب رباناً يمخر عباب التعابير، ويعلو على عواصف المعانى، ويسبح بمهارة فى دوامات الدلالات ومستويات اللغة والأدب والإبداع.. بهاء طاهر لا أجرؤ على الكتابة عنه كأديب، لأنى لست بالناقد ولا أرغب، لكنى أتحدث عن بهاء- مع حفظ الألقاب- الإنسان المصرى العجوز حاملاً قلب طفل.. ونبض ثائر.. رجل يطل على شرفة الثمانين لكنك أبداً لا تراه شائخاً مسناً، لا بل شامخاً مهيبا.. وعندما تجلس معه على المقهى، أو فى أروقة اتحاد الكتاب، أوبالحديقة بعد ثوان تأنس له وبه وتشع ابتساماته ودعاباته فى المكان، فتحول «جعلصة واشمئناط» الكتاب أو الكتبة إلى جلسة سمر فى قهوة بلدى، وعندما يتشاجر المتحدثون كالعادة، تجده تكور على نفسه وأخذ ركناً معنوياً بعيداً ورغم أن الأعلى صوتاً يتصور نفسه عملاق الجلسة، لكن ما إن يهمس «بهاء» أويقول رأيه بصوت خفيض، حتى تجد «العملاق» قد تقزم وبدا «بهاء» هوسيد الجلسة.. وعملاق الكلم، وحامل مشعل النور فى ظلام الحوار.. يبدو بجسده الضئيل ونحافته مثل ذكر النخيل فى بلدنا، متماسكاً صلباً يقول للريح.. هل من مبارز؟ يقول للزعابيب والعواصف، إن أصلى ثابت، وفرعى فى السماء.. يقول للعطش ها أنا ذا زمن بخيل، لكنى أروى كل العابرين من حبات ندى فجرى.. يقول للعارفين فى مقام عشق الأوطان، أنا شيخ طريقة، ويقول للمريدين فى صبابه الحب: أنا عاشق قديم أنثر نبض قلبى على العذارى، فيحبون الحب ويتطهرون بالغرام.. بهاء طاهر له نصيب كبير جداً من اسمه، هو البهاء فعلاً، عندما تدلهم الرؤية ويتراكم الضباب وتحاصرنا أسوار العتمة.. البهاء أعلى درجات النور، وسنام الضوء، وذروة الوضوح.. هوشفاف حيث البشر ألغاز، والحقيقة تائهة والوطن شارد عن بنيه.. مخطوفاً بأيدى من يتاجرون فى الله والدين والسماء.. وهوطاهر، حيث الطهر عملة نادرة فى سوق نخاسة العصر، ومزادات الوطنية، وصكوك غفران الجنة والنار.. وسماسرة الثورة بعد أن قطعوها وباعوها بالقطاعى، وأجروها فى باريس وسويسرا وطهران والخليج ولندن وأمريكا.. وأخيراً فى تل أبيب.. إذن نحن أمام راهب فى محراب العشق بكل معانيه.. أدناه عشق الإنسان، وأقصاه عشق الوطن، وهما لا يتفارقان عنده.. بهاء طاهر عندما قامت الثورة كان فى شقته بالزمالك، ونزل يسير مع المتظاهرين، ومشى كثيراً، فحدثت له جلطة فى ساقه وتوقف، فطلب منه أحد الشباب أن يعيده لمنزله، فقال له: لا.. أنا سأستريح وأكمل، وما أجمل أن أموت فى لحظة مثل هذه.. فقال له الشاب: «يا عم بهاء استريح انت واحنا بنكمل اللى انتو علمتوه لينا»، فبكى متأثراً بكلام الشاب.. بهاء طاهر سألوه بتحلم بإيه فى عيد ميلادك الثامن والسبعين، فقال: باحلم بمصر الحقيقية.. وهى عبارة تختصر كل ما نحلم به.. كل عام وأنت طيب يا عم بهاء يا طاهر.. ومدد يا سيد العاشقين للوطن.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد عبد العال
كل نفس وانت طاهر يا بهاء مصر
مصر كلها بتحبك انت وكل المخلصين
عدد الردود 0
بواسطة:
جرجس فريد
كل سنة و حضرتك طيب
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
لايجوز أن تقول مدد يافلان المدد من الله
التعليق فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
قارىء
دعاء وتحية
عدد الردود 0
بواسطة:
shazlyelshakh
مليون مدد ياعم بهاء طاهر