عُد، من فضلك، إلى الوراء قليلاً، وتذكر وجوه الذين أشعلوا الثورة المصرية فى 25 يناير 2011، وهم يضيئون ميدان التحرير بنور جسارتهم طوال 18 يومًا، حتى تحقق الحلم وتم طرد مبارك من عرين الرئاسة، أقول تذكر هؤلاء الشباب الناصع.. وتأمل من يحكم مصر الآن.. رئيسًا وحكومة، فستكتشف بسهولة أن الذين ثاروا وانتفضوا، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، لم يستلموا السلطة، بل أزيحوا من المشهد السياسى تمامًا أو كادوا، حيث خطفت السلطة تيارات الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أن كل هذه التيارات كانت ضد الثورة فى البداية، وكثير من مشايخ السلفيين كانوا يهاجمون الثوار ويسبونهم على شاشات الفضائيات لأنهم يخرجون على الحاكم الذى هو مبارك آنذاك!.
لا تقل لى من فضلك، إن تيارات الإسلام السياسى هذه خطفت السلطة بطرق شرعية، أى بالاستفتاءات والانتخابات والصناديق، ذلك أنك تعلم وأنا أعلم الصفقات المشبوهة التى تمت بين المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين برعاية أمريكية ليستولى من يسمون أنفسهم بالإسلاميين على الحكم كما تكشفت الأسرار الآن.
كيف حدث هذا؟ ولماذا لم ينجح الذين ثاروا من شبابنا ومعهم بقية الشعب المقهور والفقير فى الوصول إلى السلطة؟ وهل أخطأ الشباب؟ وما وجه الخطأ تحديدًا؟ ولماذا لم يتحقق أى تحسن فى حياة الناس بعد عامين من الثورة، وبعد أكثر من ستة أشهر على وصول الدكتور مرسى وجماعته إلى رأس السلطة؟ ثم السؤال الأهم.. هل هناك مستقبل أفضل لنا نحن المصريين إذا ظل هذا الوضع البائس ساريًا؟
أسئلة مشروعة.. أليس كذلك؟
الخطأ القاتل الذى وقع فيه شبابنا الثائر النقى الشريف أنهم لم ينظموا أنفسهم فى حزب سياسى واضح الأهداف محدد القسمات، حزب يستهدف تحقيق مصالح البسطاء فى هذا البلد من عمال وفلاحين وموظفين صغار ومتعلمين عاطلين وسياسيين شرفاء وأطهار (كل هؤلاء يشكلون نحو أكثر من سبعين مليون إنسان مصرى)، وهؤلاء هم الذين ثاروا بحق، حزب يرفع راية الدولة المدنية التى تعمل على تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية حتى تلحق مصر بالعصر الحديث، وحتى لا يجرجرها البعض إلى زمن العصور الوسطى بكل موبقاته من ظلم واستبداد وفقر وجهل ومرض وتخلف.
هذا الحزب الثورى الشريف يجب أن يقف بالمرصاد ضد بعض رجال الأعمال المشبوهين الذين نهبوا البلد وخربوه فى زمن مبارك، وما زالوا ينهبونه ويخربونه فى زمن الإخوان، فمصالح هؤلاء واحدة ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع الشركات الرأسمالية العالمية الكبرى، وهذه المصالح تتعارض تمامًا مع مصالح الغالبية العظمى من الشعب، ولا يمكن التوافق بينها بأية حال من الأحوال (هل يمكن عقد صلح بين الذئب والحمل؟).
إن الذين يحكمون مصر الآن يعبرون عن تحالف مريب يجمع رجال أعمال مبارك ورجال أعمال الإخوان المسلمين، ومن لف لفهم من سلفيين، حيث تعضدهم وتؤازرهم المؤسسة العسكرية وترعى الجميع الولايات المتحدة الأمريكية وبقية القوى الغربية، الأمر الذى يفسر لك لماذا لم تتحسن أحوال الناس بعد سنتين، إن لم تكن قد زادت سوءًا، والذى يفسر دعوة عصام العريان ليهود مصر بالعودة محاولاً التقرب لإسرائيل لنيل ثقة أمريكا، ويوضح لك إصرارهم على تمرير الدستور المعيب الذى يخاصم حرية الفكر ويعادى العدالة الاجتماعية، ويشرح لك الهجوم الشديد على الإعلاميين والفنانين والمعارضين وجرجرتهم إلى المحاكم، وكيل السباب الفاحش والبذىء لهم من قبل مشايخ يفترض فيهم عفة اللسان، بل ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى بعد محاصرة المحكمة الدستورية، ويجعلك تتعجب من إصرار الدكتور مرسى على بقاء حكومة هشام قنديل، رغم أدائها الباهت والفاتر، وفى الختام يبين لك هذا التحالف المريب أسباب الهرولة نحو صندوق النقد الدولى للاقتراض، كما فعل مبارك، ومواكبتها مع أحكام البراءة المتوالية لرجال مبارك وخروجهم من السجن (فتحى سرور وصفوت الشريف وعمرو عسل والبقية تأتى)!.
حسناً.. ألا يوجد أمل فى مستقبل أكثر عدلاً وأماناً مع الذين يحكموننا الآن؟ الإجابة بكل تأكيد لا مستقبل أفضل للغالبية العظمى من الشعب المصرى مع الدكتور مرسى وجماعته (لا تنس أرجوك أن حسنى مبارك ورجاله التعساء كانوا مصريين أيضاً، ومع ذلك نهبونا نحن المصريين وأذلونا واستبدوا بنا)، إذن علينا التخلص من وهم اسمه (كلنا مصريون يا جماعة)، فمصالح الغالبية الفقيرة متعارضة مع الأقلية الحاكمة، ولا يمكن التوفيق بينهما.. إما أن يحكم الشعب، أو يحكم جلادوه وناهبوه!.
والحل؟
إن مرور الذكرى الثانية للثورة المصرية المخطوفة فى 25 يناير الجارى فرصة مواتية لينظم الشباب الثائر نفسه فى حزب سياسى يضع مصالح الغالبية العظمى نصب عينيه، مع ضرورة الانتباه جيدًا إلى أن الثورة علم، وتغيير حياة الناس نحو الأفضل علم، وحشد الجماهير وتوعيتهم بمصالحهم علم أيضا، علم يستلزم البحث والقراءة وامتلاك المنهج السليم فى تحليل الوقائع واستشراف المستقبل، علم يستوجب وجود قيادة واعية ورمز شريف ومتطهر تلتف حوله الجماهير.
باختصار.. إما تنظيم الغالبية فى حزب يعمل لصالحهم ويستهدف النهوض بالشعب المصرى، من خلال وصوله إلى السلطة السياسية لينفذ أهدافه، وإما المزيد من الظلم والنهب والجهل والتخلف على يد من يحكموننا الآن.
مع الذكرى الثانية للثورة المخطوفة (والذكرى تنفع المؤمنين)، أثق تمامًا فى أن المستقبل للشعب، وليس لناهبيه وظالميه ومتخلفيه!.
وكل ثورة وأنت طيب!.