براء الخطيب

مصالحة الذئاب وذئاب المصالحة

الأربعاء، 02 يناير 2013 05:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سوف يكثر الكلام هذه الأيام - وقد كثر بالفعل - عن «المصالحة الوطنية»، وهو ذلك المصطلح المخادع فى مدلولاته، فلم يقل لنا أحد فى مصر مع من تتم هذه المصالحة «بين من ومن؟» هل هى مصالحة بين الإخوان المسلمين والقوات المسلحة وبينهما ثأر كبير؟ أم هل هى «مصالحة» بين الإخوان المسلمين وبقية الشعب المصرى الذى أوصلهم بالصندوق وعصر الليمون إلى سدة الحكم؟ أم هل هى «مصالحة» بين الإخوان المسلمين والسلفيين الذين ساعدوهم فى الصندوق بدون عصر الليمون ومتجاوزين عن ثوابتهم فى تطبيق الشريعة؟
عندما اخترع الرئيس «بوتفليقة» فى الجزائر مصطلح «المصالحة» عرف يومها بـ«مصالحة الذئاب» بعد سنين الجمر التى عاشها الشعب الجزائرى بعد أحداث 1991 السياسية فيما كان القتل محتدما بين «الإرهابيين / الذئاب» وبين القوى المدنية بقيادة الجيش الجزائرى، وكانت الإجراءات الرامية إلى استتباب السلم والوئام الوطنى تتلخص فى: «إبطال الـمتابعات القضائية فى حـق الإرهابيين الذيـن سلموا أنفسهم للسلطات، وإبطال الـمتابـعات القضائـيـة فى حـق جميـع الأفراد الذيـن يكفون عن نشاطهم الـمسلح ويسلمون ما لديـهم من سـلاح، ولا يـنـطبـق إبطـال هذه الـمتابعات على الأفـراد الذيـن كانت لهم يد فى الـمجازر الـجمـاعية أو انتهاك الـحرمات أو استعمال الـمتـفجرات فى الاعتداءات على الأمـاكن الـعمومية، إبطال الـمتابعات القضائية فى حق الأفراد الـمحكوم عليهم غيابيـا باستثناء أولئك الذيـن كانت لهم يد فى الـمجازر الـجماعية أو انتهاك الـحرمات أو استعمال الـمتفجرات فى الاعتداءات على الأماكن الـعمومية، العفـو لصالح الأفراد الـمحكـوم عليهم والـموجوديـن رهن الـحبس عقابا على اقترافهم أعمال عـنـف من غير الـمجـازر الـجماعية أو انتهاك الـحرمات أو استعمال الـمتفجرات فى الاعتداءات على الأماكن الـعـمـومـيـة، إبدال العقوبات أو الإعفاء من جزء منها لصالح جميــع الأفـراد الـذيـن صـدرت فى حقـهم أحكام نهائية أو المطلوبين الذين لا تشملهم إجراءات إبطال الـمتابعات أو إجراءات العـفـو السالفة الذكر». وقد عمل كل هذا الرئيس «السادات» قبل ذلك، بل أخرجهم من السجون بعد تعذيبهم عذابا هو الأقرب لتعذيب زبانية جهنم واستخدمهم بعد ذلك لترهيب خصومه فلما اشتد عودهم قتلوه، ثم عمل كل هذا الرئيس المخلوع «مبارك» وفى بداية ثورة يناير تقاعس القادة الكبار عن الاشتراك فيها ولم يظهروا إلا بعد يوم «جمعة الغضب»، لكن شبابهم أجبروهم على الانضمام لزملائهم الثوار، ثم تخلوا عن الثوار فى قبول الإعلان الدستورى للعسكر وخونوا كل من دعا لقول «لا» فى الاستفتاء عليه فيما أعلنوا أن «نعم» هى من شرع الله فيما عرف بـ«غزوة الصناديق» لكن المادة 28 من الإعلان الدستورى عن قانون انتخابات مجلس الشعب كانت تحجمهم فى انتخابات مجلس الشعب فشعروا بالخديعة التى أوقعوا أنفسهم فيها فخرج قادتهم يعلنون أنهم أخطأوا واعتذروا بعدم خبرتهم السياسية، لكن بعد المساومات جرت انتخابات مجلس الشعب وحصلوا على الأكثرية فرفعوا شعار «الشرعية للبرلمان موش للميدان» وبدأت ممارساته تحت القبة فجة فجاجة نفر منها الناس جميعا واستخدمت المحكمة الدستورية قانون انتخابات مجلس الشعب فى حل المجلس الذى أصبح بقدرة «القادر» هو والعدم سواء، فعادوا لشعار «الثورة فى الميدان» وبعد المساومات تخلوا عن «الميدان» فى أحداث مجلس الوزراء وماسبيرو ومحمد محمود والعباسية، وانتهكوا حرمة الفتاة بعباءة الكباسين التى أطلق عليها شباب الثورة اسم «ست البنات»، كل هذا حدث دون أن يستطيع شخص واحد منهم فقط «تطبيق الشريعة» ولم يفتح شخص واحد منهم فاه بهاتين الكلمتين من بداية التحاقهم بالثورة حتى انتخابات الرئاسة، فمع من تكون المصالحة التى يتحدثون عنها؟ سوف يتحدث الذئاب كثيرا فى مصر عن «المصالحة» وسوف ترى وتسمع قبل انتخابات مجلس الشعب القادم «حلاوة» فى الحديث، فمن اتهم ممثلة بأقذع التهم سوف يعتذر وسوف يظهر بمظهر المدافع الأول عن الفن والفنانات ولن يصدر من أشباهه تصريحا أو تلميحا عن أى فنانة أو فنان، ومن وصف مقدم البرنامج التليفزيونى بأنه «أحلى» من ليلى علوى وعليه ارتداء النقاب، سوف يعتذر له ويدعوه على العشاء فى بيته ووسط أبنائه، سوف يقول الإرهابيون الذين أشاعوا القتل والذعر فى الوطن عن ثورة 25 يناير 2011 إنها «ثورة فريدة.. ولا يمكن لدارس لتاريخ الشعب المصرى على مدى سبعة آلاف سنة، إلا أن يقف أمام هذه الثورة مندهشا ومبهورا أيضا.. وكيف أنها لم تنجرف إلى عنف تمتلك كل مبرراته أو تخريب غير منطقى تدفع إليه حالات خروج الإنسان عن شعوره فى لحظات الغضب الشديد، وهى فى ذلك إنما تعكس مخزونا حضاريا لدى هذا الشعب»، ولم يقل لنا إنه هو الذى سبق الجميع لاستخدام القتل الذى هو أبشع صور العنف، ولم يقل لنا إنه كان ضد «المخزون الحضارى» عندما استخدم البندقية والقنابل فى «الحوار» مع خصومه، الشعوب تتحاور قبل اتخاذ القرارات المصيرية، فمن الذى يضمن للشعب المصرى أن «ريمة لن تعود لعادتها القديمة» بعد الحصول على الأكثرية فى مجلس الشعب القادم؟ يا سادة تتم المصالحات قبل صياغة الدساتير حتى لا يتم إقصاء أحد، المصالحة تصنع الدستور، لكن الدستور لا يصنع المصالحة، طالما يتحدثون عن «مصالحة» فإنهم يقرون بوجود «انقسام» وعلى من يطلب «المصالحة» فى صدق أن يعلن عن أسباب هذا «الانقسام» ويعمل على إنهاء أسباب هذا الانقسام على أرض الواقع، الاعتراف بأسباب الانقسام من جميع الأطراف هو الذى سوف يشكل الخطوة الأولى للخلاص من هذه الأسباب للوصول إلى الخطوة الثانية التى هى التخلص من تأثير هذه الأسباب على أرض الواقع، وهنا سوف تكون «المصالحة» التى لا تحتاج إلى حوارات بين قوى حزبية حاكمة لا تمثل الثورة وقوى حزبية معارضة لا تمثل الثورة الحقيقية أيضا، فليس من قوى الثورة من قال بأنه «يجب تعيين عمرو موسى مساعدا لرئيس الجمهورية»، الثورة ليست هى الإخوان المسلمين، كما أن الإخوان المسلمين ليسوا هم الثورة، والثورة ليست هى أحزاب المعارضة كما أن أحزاب المعارضة ليست هى الثورة.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

مصريه

لك حق لكن هل نصل في النهايه للمصير الجزائري ؟

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة