تأتى الذكرى الثانية لثورة يناير ومصر منقسمة على نفسها، ولا توجد رؤية واضحة أو إرادة موحدة لمواجهة أزمة الاقتصاد وارتفاع الأسعار وانتشار البطالة، والأخطر أن الإحباط الجماهيرى سيد الموقف، فالتوقعات بحياة أفضل بعد الثورة تراجعت، وتبدد الأمل والثقة فى المستقبل. فى هذا المناخ برزت أربع ظواهر: الأولى ارتفاع معدلات الهجرة للخارج خاصة بين الأقباط، والشباب المتعلم من أبناء الطبقة الوسطى، والمفارقة أن الشباب هم من فجروا الثورة، وقادوا موجاتها المتتالية خلال العامين الماضيين سواء ضد العسكر أو الإخوان.. والظاهرة الثانية تراجع مؤشرات المشاركة السياسية فى الأحزاب والانتخابات، حيث انشغال المواطنين بحل مشاكلهم الخاصة على حساب قضايا الثورة، لذلك خسرت الأحزاب كثيرا من عضويتها خلال عام 2012، وتكاد بعض الأحزاب الجديدة أن تنهار، والأخطر أن نسبة المشاركة فى استفتاء مارس 2011 بلغت %41، ارتفعت فى الانتخابات الرئاسية إلى %51، لكنها تراجعت إلى %33 فى الاستفتاء على الدستور، أما الظاهرة الثالثة فهى تعدد الشرعيات وارتباك الأداء السياسى للحكم والموالاة، فالرئيس المنتخب عبر شرعية الصندوق، يستخدم الشرعية الثورية، وشرعية المظاهرات والحشود، والشرعية القانونية، ويسعى الرئيس وجماعته للهيمنة والانفراد وإقصاء المعارضة بحجج وآليات تنتمى لنظام مبارك. فى المقابل المعارضة التى تمثلها القوى المدنية مرتبكة ومنقسمة على نفسها وتلعب بسلاح الشرعيات المتعددة، فتارة تعارض باسم الثورة ومن خلال المليونيات، وتارة أخرى من خلال القانون والقضاء، ثم لجأت إلى الصندوق لرفض الدستور، وللأسف فإن الحكم أو الموالاة تورطا فى عنف لفظى بغيض وحصار مرفوض للمنشآت العامة سواء قصر الاتحادية أو المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى، وأنا هنا لا أساوى بين أخطاء الحكم والمعارضة، لأنه من البديهى أن تكون مسؤولية الرئيس والحكومة أكبر من المعارضة، لأن بيدهم السلطة، ولكنى فقط أؤكد على أخطاء الطرفين، وتنافسهما فى خرق قواعد الديمقراطية.
الظاهرة الرابعة: تدهور أداء مؤسسات الدولة وتفكك هياكلها، حيث فشل الرئيس فى أن يكون رئيسا لكل المصريين وتحيز لجماعته، واختار بعضهم فى مواقع قيادية رغم افتقارهم للخبرة والكفاءة - حكومة قنديل الثانية نموذجا - الأمر الذى نشر الإحباط والخوف من إنهاء خدمة كثير من القيادات التنفيذية فى الدولة، ولاشك أن هذا المناخ كفيل بتراجع أداء أجهزة الدولة، وتفكك هياكلها، وتفريطها فى القيام بوظائف الدولة الأساسية وفى مقدمتها تقديم الخدمات وحفظ الأمن وفرض السيادة فى سيناء.
الظواهر السابقة ليست دعوة لليأس فى الذكرى الثانية للثورة، وإنما دعوة لمصارحة الذات والبعد عن المظاهر الاحتفالية الكاذبة والبحث عن الحقائق.. إن ثورتنا لم تحقق أهدافها، وإنما دخلت فى نفق من الجمود والعشوائية بسبب أخطاء المرحلة الانتقالية، والانقسام والاستقطاب بين النخبة العجوز، وتحيز الرئيس لجماعة الإخوان وعدم طرحه لرؤية مستقلة وشاملة لتحقيق وفاق وطنى حقيقى يمكن مصر من مواجهة مشكلات الاقتصاد والسياسة واستعادة مكانتها ودورها العربى والعالمى.
باختصار ثورتنا فى خطر، واقتصادنا فى خطر، الدولة فى خطر، وسيناء فى خطر، والوطن منقسم سياسيا وثقافيا، والانتخابات البرلمانية لن تنقذنا من كل هذه المخاطر بل ربما تعمق الانقسام والصراع الحزبى البغيض، والحل فى استعادة درس ثورة يناير، وهو أن توحد المصريين يمكنهم من الانتصار، وبالتالى لابد من الضغط على الرئيس والنخبة السياسية المدنية والإسلاموية للتعاون والعمل المشترك، لأن مشكلات مصر والمخاطر المحيطة بها أكبر من أى فصيل، وأنا على قناعة تامة بأن شباب الثورة هو القادر على خلق تيار شعبى ضاغط على النخبة لإعلان مصالحة وطنية وتشكيل حكومة ائتلافية لإنقاذ مصر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة