د. بليغ حمدى

وُلِدَ الهُدَى فالكَائِنَاتُ ضِيَاءُ

الخميس، 24 يناير 2013 08:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تظل عظمة الحديث عن سيد الخلق أجمعين ورسول الرحمة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) متجددة لا ممل فيها، ولا كلل من إعادة سيرته واسترجاع ذكريات النبوة ومعالم الهدى على يديه الكريمتين. وتأتى ذكرى مولد النبى المختار (صلى الله عليه وسلم) فى ظروف مصبوغة بالتوتر والصراع الطائفى بين التيارات والمذاهب التى مجمع فى النهاية على أنها إسلامية وإن اختلفت الرؤية وتباين التوجه فى تطبيقها.

ورغم أن هناك متعة حقيقية تقر بالنفس وتجد صداها بالعقل ونحن نتداول سيرة وأحداث مرت بحياة أشرف وسيد الخلق والرسل أجمعين منذ الميلاد حتى الوفاة، إلا أن ثمة علامات فارقة بسيرة النبى المصطفى تكون أكثر حتمية وضرورية لتناولها ومصر تستشرف بداية عامها الثورى الثالث عقب الثورة البيضاء الرائعة. وخصوصاً إن فكرة الحديث عن ذكرى مولد النبى الأكرم محمد (صلى الله عليه وسلم) تبعث بالضرورة الأمل والطمأنينة فى وسط أحداث تعصف بالإنسان والإنسانية فى مصر، بل وبات المواطن الآن فى غير مأمن ليس فقط على حياته بسبب أعمال البلطجة واستمرار مسلسل الانفلات الأمنى لكن فى غير مأمن على عقله وقلبه مما يشاهد ويسمع فتاوى وآراء فقهية عجيبة وفريدة ما أنزل الله بها من سلطان وهو أرحم الراحمين.

وربما المسألة الأكثر رواجاً هذه الأيام هو الحديث عن مدى مشروعية الاحتفال بمولد النبى (صلى الله عليه وسلم) ومع الدهشة أن نجتر آراء تتجاذب الصراع والشد والاحتدام بشأن هذه المسألة فى ظل وطن يهرع سريعاً نحو الاحتفال بأى مناسبة مثل حصول لاعب على لقب رياضى رغم أن الرياضة بطبيعتها معطلة فى مصر، أو نحتفى بحصول فيلم مصرى على جائزة من مهرجان هو فى الأصل مجرد عملية غسيل أموال فحسب. والأدهش هو هذا الاحتفاء المبالغ فيه باستقبال خطبة الشيخ محمد العريفى بمسجد عمرو بن العاص رغم أننا فى الحقيقة نعلم مكانتنا فى الدين الإسلامى بغير موجه أو مرشد أو دليل لكن فى ظل ما نعانيه من فقدان ذاكرة تدريجى والإصابة المستدامة بذاكرة السمكة المؤقتة فلا مانع من ذكر مكانة مصر فى السيرة النبوية.
وإذا لم نكن نحتفل بذكرى سيد الخلق فمن نحتفل إذاً؟ وإذا لم نعترف بفضل إنسان أنار البشرية وأضاء العقل والروح وطهرهما من جراثيم الوثنية والضلال والشرك فبمن ندشن المهرجانات ونشد الرحال هل إلى افتتاح وتأسيس حزب سياسى لا يضيف للحياة السياسية جديداً اللهم سوى المزيد من حالات الهم والغم والتراشق اللفظى واللغط السياسى حول مفاهيم سياسية فى وطن بات يحترف الفوضى وهو بعيد تمام البعد عن مظاهر الديمقراطية.

إن الذين يحرمون الاحتفال بمولد النبى الأكرم (صلى الله عليه وسلم) يعانون أشد معاناة فى فهم وتفسير النص القرآنى ولست أبالغ أن أقول إن هناك مغالق وأقفال على قلوبهم وعقولهم، وكفى بآيات الله العزيز للتأكيد على ضرورة الاحتفاء بذكرى مولد الرسول. يقول الله تعالى فى القرآن الكريم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ). ويقول تعالى واصفاً نبيه بالحق: (كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

وهؤلاء الذين يأبون على أنفسهم ويقيمون فواصل تحجبهم وتحجب عقول وأفئدة كثيرين عن واجب التذكير بمولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يفطنوا أن الرسول فى حقيقته نعمة من الله أنعم على عباده بها، وإذا أعملنا العقل فى وجوب الاحتفال بمولد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لتوصلنا إلى أن لله أياماً يجب فيها ذكر نعمائه علينا وذكر النعمة يعنى شكرها، ومولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) بذلك التفسير نعمة فيجب ذكر يومها وذكر ما فيه، على اعتبار أن مولده نعمه وإرساله للبشرية كافة نعمة أخرى.

والذين يستندون إلى آراء ابن تيمية كمرجعية فقهية، هو نفسه أباح الاحتفال بذلك فى كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" بعد أن ذكر ضرورة محبة النبى (صلى الله عليه وسلم) واتباعه والالتزام بهديه قال: "فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس، ويكون فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء إنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب" أو كما قال، مع أن مذهبه أن زخرفة المصحف مكروهة.

ونختم بأن ضرورة الاحتفال بذكرى مولد النبى (صلى الله عليه وسلم) لا يكون بالخروج على تعاليم الشريعة السمحة ولا يكون عن طريق استحداث البدع والخرافات وممارسة طقوس بعيدة تماماً عن كنه الشريعة. وكفى بالرسول شرفاً وتقديراً أنه نقل البشرية من حالات الظلام والجهل والوثنية والشرك والاهتمام بصغائر الأمور والتفاهات، إلى أمة تفخر بالعلم بدلاً من أمة تتعالى بالجهل، ومن أمة تعتز بالحياة البدوية إلى أمة تصنع الحضارة.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة