أولا: تأتى الذكرى الثانية للثورة مصحوبة بطموح مشروع لاستمرار الثورة، واستكمال أهدافها، لكن هذا الطموح يتعارض مع سعى بعض القوى الثورية والفوضوية للتخلى عن سلمية الثورة، والتورط فى أعمال عنف قد تحول دون مشاركة عديد من الفئات الاجتماعية، كما تضر بممتلكات الشعب ومقدراته، والأخطر أن العنف يسمح لقوى الثورة المضادة أو الجيش بالتدخل لوضع حد للفوضى وأعمال العنف التى قد ترتبط بتحركات عشوائية وتخريبية للمهمشين والجياع فى القاهرة والمدن الكبرى.
ثانيا : هناك أسباب كثيرة للنضال من أجل استكمال الثورة، أو ظهور موجة ثورية جديدة، لكن الظروف الموضوعية لم تنضج بعد، ومرسى وجماعته ليسوا مثل مبارك وحزبه، ولابد من استمرار النضال السلمى، والدعوة من خلال الوسائل الديمقراطية لإعادة كتابة الدستور، وتشكيل حكومة محايدة لإجراء الانتخابات البرلمانية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ثالثا: استمرار التناقض بين الثورة والدولة، فالثورة باقية، والحالة الثورية تهيمن على السلوك السياسى للنخبة والمواطنين، والاحتجاجات العمالية والفئوية، بينما يتراجع أداء مؤسسات الدولة، وقدرتها على استخدام العنف المشروع، وفرض القانون، ما يهدد بتفكك الدولة وانهيارها، والأخطر أن هذه المخاطر تتزامن مع فشل الثورة ذاتها فى بناء مؤسساتها، والانتقال إلى الشرعية السياسية رغم انتخاب أول رئيس مدنى، وإصدار دستور جديد.
رابعا: نجحت الثورة فى الإطاحة بالرئيس مبارك وبعض رجاله، بينما بقيت القواعد الاجتماعية والاقتصادية للنظام دون تغيير، ولم تتحقق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، والأخطر أن أساليب مبارك ودولته ما تزال قائمة سواء فى تعاملها مع مشكلات الناس والمجتمع، أو فى سياستها الخارجية.
خامسا: فشل أول رئيس مدنى منتخب بعد الثورة فى إقناع الناخبين أنه رئيس لكل المصريين، حيث أكد خطابه وأفعاله أنه منحاز لجماعة الإخوان المسلمين، غير قادر على طرح رؤية أو تبنى مواقف وسياسات تختلف عن جماعته، وبالتالى من حق المعارضة المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
سادسا: استمرار التناقض والاستقطاب بين القوى الإسلاموية والقوى المدنية، ما أدى إلى تقسيم المجتمع والمجال السياسى والفضاء الإعلامى، مما يعرقل أى جهود مطلوبة للتعاون والعمل المشترك بين القوى الوطنية، والتى لا تستوعب درس التاريخ والثورة المصرية فى أن وحدتها شرط نجاح الثورة، وأن مشكلات مصر تتطلب تعاون ووحدة كل أطياف العمل السياسى، لأن أيا منها غير قادر على حل تلك المشكلات، وبناء مصر المستقبل.
سابعا: إن الشباب الذى فجر الثورة لا يتصدر المشهد السياسى، بل جرى تهميشه لصالح استمرار نخبة قديمة ومنقسمة على نفسها، ولا تمتلك رؤية لحل مشكلات الوطن، والأغرب أن أغلب هذه النخبة من الأحزاب القديمة والسلفيين لم تدعُ للثورة، والتحقت بها فى أيامها الأخيرة.
ثامنا: تهميش المرأة سياسيا واجتماعيا، رغم مشاركتها الفاعلة فى الثورة، وفى الانتخابات، وفى كل أشكال الاحتجاج الجماهيرى وموجات الثورة، فنصيب المرأة من مقاعد البرلمان المنحل ومجلس الشورى ضئيل للغاية، ولا يتناسب مع دورها فى المجتمع، كما أن هناك مخاوف شديدة من المساس بحقوقها فى العمل، وحريتها فى المجال العام.
تاسعا: أخيرا، أزمة الثورة، وهى تدخل عامها الثالث، من صنع نخبة القوى الإسلاموية والمدنية والمجلس العسكرى، لكن الإخوان يتحملون المسؤولية الأكبر بعد خروج العسكر من المشهد السياسى، والكارثة أن الإخوان لا يعترفون بوجود أزمة، ويتجاهلون مطالب الشارع والمعارضة، وهذا السلوك يذكر بأداء نظام مبارك، ويفتح المجال أمام كوارث تضرب كيان الدولة والمجتمع والاقتصاد.. فهل يراجع الإخوان أنفسهم؟