من مقومات الدولة أى دولة إمكانية مؤسساتها ضبط إيقاع العمل العام خلال التمسك بالقانون والالتزام به، ومن ثم تطبيقه على كل المواطنين دون تفرقة بين مواطن وآخر مهما علا شأن أى مواطن، فيترسخ العدل ويتأسس الاستقرار، ونقيض ذلك هو الفوضى بلا مواربة، تلك التى تعمل على تقويض المؤسسات وإسقاط القانون وإعلاء مبدأ البقاء للأقوى، فيغيب العدل ويهدم الاستقرار وتضيع هيبة الدولة، ونحن ومنذ قيام هبة يناير الجماهيرية فى 28 يناير 2011 بدأت الفوضى تدب فى أرجاء الوطن، وحتى الآن، وأحداث بورسعيد يوم السبت الماضى قد أكدت بما لا يدع مجالا لأى شك أن الفوضى هى طريق الخطر الذى إن بدأ فلا نهاية له، فما أسهل الهدم وما أصعب البناء، فهل يعقل أن نرى بورسعيد، «بلد الثوار والنضال التى تصدت للعدوان الثلاثى عام 1956» فى لهيب تلك الحرب الأهلية التى يتقاتل فيها مصرى مع مصرى آخر، وعلى أرض مصرية، وأن يكون هذا فى البداية هو نوع من التعبير عن الرأى تجاه قضية مذبحة بورسعيد؟ نعم.. لقد كان هذا سيحدث على الجانب الآخر لو كانت الأحكام غير ما يريد، فهل وصلنا إلى هذه اللحظة المزرية والكارثية التى يتحكم فيها المواطن فى الأحكام القضائية بهذا المستوى وبذاك الأسلوب؟ فكيف وصلنا إلى هذه الحالة؟ بداية يجب أن نفرق بين أدوات وآليات التعبير السلمى الاحتجاجية المشروعة والمطلوبة وبين السلوكيات الهمجية التى يقترفها البلطجية نتيجة للتمويل أو الحقد أو تصفية الحسابات، والأهم أن الانفلات والفوضى التى حدثت نتيجة لحرق أقسام الشرطة وفتح السجون وتهريب مساجين أصبحوا الآن فى سدة المحكم مع آخرين غير مصريين وحتى الآن لا نعلم كيف ولماذا ومن كان وراء ذلك بالرغم من الحديث عن لجان تقصى الحقائق، فلم تجب عن هذا أو عمن وراء كسر جهاز الشرطة، ومن قام بحرق مقار أمن الدولة، وفى لحظة واحدة وعلى مستوى الجمهورية وكان هذا تدشينا للفوضى الممنهجة.
عندما يسقط القانون فى مواجهة من يقطع السكة الحديد عشرة أيام اعتراضا على تعيين مسيحى محافظا لقنا ونرسل من يطلب رضاهم فهذه هى الفوضى، عندما تتم محاصرة محكمة القضاء الإدارى من حازم أبوإسماعيل لترهيب القضاء فى قضية تجنيس والدته ولم يواجَه فمن الطبيعى أن يحاصر لجنة الانتخابات الرئاسية ثم مدينة الإنتاج، ولا مانع من محاصرة الدستورية لإرغامها وإجبارها على عدم إصدار أحكام ضد الشورى والدستورية، وبمباركة من رئيس الجمهورية، عندما يتم تعذيب المصريين داخل القصر الجمهورى، ولم تتم محاسبة أحد فهذه هى الفوضى بعينها، وعندما تحاصر النيابة العامة للإفراج عن متهم يحمل سلاحا غير مرخص، وتخضع النيابة وتفرج عن المتهم، فهذه هى الفوضى، عندما يتجاهل رئيس الجمهورية حالات الاعتداء على القانون من قبل جماعته غير القانونية ومن أتباعه ومتحالفيه ولا يطبق القانون بل تصدر أوامر بعدم التعرض لهم، فلا يوجد فوضى أخطر من ذلك، عندما تتحول الدولة إلى عشيرة والوطن إلى قبيلة ويختصر الشعب فى أهله، فهذا إسقاط للدولة وتكريس للفوضى، عندما يكون هناك إصرار على الاستحواذ على كل شىء والعمل على اختطاف الدولة وأخونتها، فهذا هو طريق الفوضى، عندما تتحول القوانين غير الدستورية إلى مواد دستورية فى الدستور، وعندما تحصن قرارات الرئيس وكأنه لا يحاسب ولا يخطئ، وعندما يختطف الدستور لصالح جماعة بعينها وتيار بذاته، عندما يعد رئيس الجمهورية ولا يفى بوعده، عندما يدعو إلى الحوار الوطنى ذرا للرماد فى العيون لتمرير الأوضاع لصالح جماعته، فهذا هو التأسيس لدولة الفوضى وإسقاط القانون، وفاقد الشىء لا يعطيه، ومع ذلك فمظاهرة الجمعة الماضية فى التحرير أكدت أن الشعب قام ووعى وأدرك ولن يتنازل، فالشعب سبق الجميع ولن يقبل بهذه الفوضى، ولا من يصغِّر منها ولا من يستفيدون منها، وستظل مصر لكل المصريين.