ليس فى الأمر أى شك إذا قلت الآن إن جماعة الإخوان المسلمين تعيش محنة أكبر بكثير من محنة زمن الستينيات التى حولتها أدبيات الجماعة إلى أسطورة ودليل على ما تعرضت له من اضطهاد، وليس فى الأمر أدنى شك من أن تلك «المحنة» الجديدة «تنخر» كما السوس فى بنيان الجماعة وعلى عكس «محنة» زمن عبدالناصر التى استخدمها الإخوان لحصد رصيد من التعاطف الشعبى يأتى زمن ما بعد ثورة 25 يناير ليجد الإخوان أنفسهم أمام «محنة» فى ثوب «منحة» خاصة بعد وجود محمد مرسى على كرسى الرئاسة، وبدأ الإخوان مرحلة تاريخية جديدة فى عمر دعوة حسن البنا.. هى مرحلة تحولهم إلى أصحاب سلطة مضطرين لأن يواجهوا الشعب الغاضب والبشر المتطلعين بعد أن كانوا طوال ما يزيد على 80 عاما أهل معارضة.
بدون أى استعداد وبعد ثورة مفاجئة ووسط تسهيلات غير متاحة وفرتها أجواء اختفت فيها قوى سياسية قوية منافسة دنت السلطة أمام الجماعة التى لم يفلح تاريخها الطويل ولا تراث شيخها حسن البنا المؤسس على الذكاء والهدوء وتخير اللحظات المناسبة للانطلاق فى أن ينصحها بالتأنى فى قطف ثمار السلطة التى تدلت أمامهم بسبب ضعف القوى السياسية وشباب الثورة والمجلس العسكرى، وهرول الإخوان إلى حيث كرسى السلطة الأول حارقين الكثير من الخطوات، مرتكبين الكثير من الأخطاء التى وضعتهم فجأة ولأول مرة وجها لوجه مع الشعب لتصاب الجماعة المبرمج أهلها على أساليب مواجهة السلطة بارتباك وضعف وارتخاء فجائى يدفع قادتها للتعامل مع الشعب وكأنهم جزء من قوى المعارضة يطالب ويهتف ويتظاهر، أو بنفس منطق تعامل السلطة السابق، أو بنفس منطق تعامل المرشد مع أعضاء الإخوان الذين يدينون له بالولاء والسمع والطاعة.
الخطوات الأخيرة للجماعة وللدكتور محمد مرسى رفعت عن الإخوان المسلمين الغطاءين اللذين نمت الجماعة وبقيت فى ظلهما.. الغطاء السياسى والغطاء الدينى..
الغطاء السياسى رفعته الأكاذيب والوعود الإخوانية التى لم تتحقق منذ اللحظة الأولى لثورة 25 يناير التى أعلن الإخوان عدم مشاركتهم فيها ثم العودة للتأكيد على أنهم صناع الثورة الحقيقيين، ثم لقاء قيادات الإخوان السرى بعمر سليمان، نائب رئيس مبارك، فى وقت كان فيه أمن مبارك يسحل المتظاهرين ويشوه صورة الثوار، ثم الانتقال إلى مرحلة الوعود الكاذبة مثل وعود المشاركة لا المغالبة، ثم الوعد الصريح بعدم ترشيح مرشح إخوانى للرئاسة وتصريح بديع الشهير الذى قال فيه إن وجود رئيس إخوانى فى السلطة خطر على مصر فى تلك الفترة، وهو التصريح الوحيد الذى صدق فيه الإخوان بعدما وصلنا إلى حالة الاقتتال الأهلى التى عشناها أمام قصر الاتحادية.
تساقط الإخوان استمر مع مواقفهم الرمادية من المجلس العسكرى وعقد صفقات معه على حساب الثوار، ثم موقف الجماعة من أحداث محمد محمود وسخريتهم من الفتاة التى عرتها قوات الجيش وسحلتها فى الشوارع، ثم تطور السقوط السياسى للإخوان أكثر من صعود محمد مرسى لرأس السلطة وفشله فى تنفيذ وعود المائة يوم واكتشاف الناس لأكذوبة طائر النهضة، ثم تكريم المشير وعنان رغم كل البلاغات التى تتهمهما بقتل الثوار وإفساد المرحلة الانتقالية، ثم تدهور وضع الملفات الأمنية والاقتصادية وتفرغ الرئيس للخطابة ولمعارك جانبية للاستحواذ على القضاء وباقى السلطات، ثم فضيحة أسيوط ومن قبلها أرواح جنود مصر الـ16 الذين وعد الرئيس بالقصاص لهم خلال 48 ساعة، ومرت شهور وسقطوا سهوا من أجندة الرئيس الذى لم يكن مهتما فى خطابه الأخير بدماء المصريين التى سالت بسبب قراراته بقدر اهتمامه بتعرض موكبه لهتافات معادية وتحطيم سيارة من ضمن سيارات الموكب.
سقوط الغطاء السياسى للإخوان أتبعه سقوط للغطاء الدينى بعدما اكتشف الناس أن الجماعة التى تدعو دوما لرفعة الإسلام وتطبيق شرع الله، يكذب قادتها ويتلونون حسب المصالح السياسية، وتطوع الدين وتغيير أحكامه حتى يحصل الرئيس على قرض صندوق النقد الدولى، وتدفع بالعناصر المسلحة فى الشوارع لقتل معارضى الرئيس وتأديبهم وكأن كل آيات وأحاديث دم المسلم على المسلم حرام خارج نطاق الدين الإسلامى الذى يتغنون به.