أفضل سيناريو أمام المعارضة أن تخوض الانتخابات فى قائمة موحدة، باسم جبهة الإنقاذ، لكن هذا السيناريو غير قابل للتحقق على أرض الواقع، لأن شباب التيار الشعبى والدستور والقوى الثورية ترفض التعاون والعمل المشترك مع أنصار ورموز النظام القديم، مثل عمر موسى، وحزب الوفد، وغيره من أحزاب الفلول. كما أن كثيرا من رموز النظام القديم يتحفظون على التحالف مع القوى الثورية. إذن ما هو البديل؟
البديل الممكن والواقعى يتكون من ثلاثة محاور، تشكل ملامح المستقبل، أولا: اعتراف أطراف جبهة الإنقاذ بعدم قدرتها على التنسيق والعمل المشترك لخوض الانتخابات البرلمانية، لأنها تجمع قوى وأحزابا من أقصى اليمين لأقصى اليسار، وبالتالى من الصعب الاتفاق على برنامج انتخابى أو أن تحكم مصر إذا فازت بالأغلبية، لأن رؤيتها لهوية مصر الاقتصادية ولقضية العدالة الاجتماعية مختلفة تماما. صحيح أن هذه القوى تتفق على مدنية الدولة، والخوف من سياسات الإخوان والسلفيين، لكن هذه الاتفاقات لا تكفى لظهور جبهة متماسكة للعمل المشترك، لاسيما فى ظل انتهازية بعض القوى، وافتقار النخبة السياسية إلى العقلانية والرشد السياسى. ثانيا: أن تخوض المعارضة الانتخابات فى قائمتين، الأولى تضم تحالف الأحزاب الجديدة، والتى ظهرت بعد الثورة، كالتيار الشعبى أحزاب الدستور والديمقراطى الاجتماعى والتحالف الشعبى، وهذه القائمة تجمع أحزابا وتيارات متجانسة إلى حد كبير، حيث تجمع اليسار ويسار الوسط وشباب الثورة، أما القائمة الثانية فتضم تحالف أحزاب وقوى اليمين ويمين الوسط، ممثلة فى الوفد والمؤتمر والجبهة وغد الثورة، وتمثل هذه القائمة أحزاب اليمين والوسط ويمين الوسط. ثالثا: يمكن لقوائم المعارضة «القائمتين» ومرشحيها تحقيق حد أدنى من التنسيق بينهما فى الدوائر التى تشتعل فيها المنافسة، أو فى الدوائر التى لا تتوافر قائمة ممثلة لكل تحالف انتخابى، ويتطلب هذا التنسيق استمرار وجود الجبهة، والحرص على الحوار والتفاوض بين أطرافها.
وبغض النظر عن التصريحات فإننى أتصور أن الحركة على المحاور الثلاثة ستضاعف فرص المعارضة للمنافسة بقوة فى الانتخابات المقبلة، وإحراز تقدم كبير قد يصل إلى الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان بغرفتيه، لأن وجود أكثر من قائمة للمعارضة لن يدفع الأحزاب الإسلامية لتشكيل قائمة مضادة، بل ستكون هناك قائمة للإخوان، وقائمة للسلفيين، وربما أكثر من قائمة تدعى تمثيل الإسلام السياسى، ما يفتت من أصوات الإسلامويين «نسبة للإسلام» ويخفف الاستقطاب والانقسام بين القوى المدنية والإسلاموية.
ولاشك أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تعجل بتراجع شعبية الإخوان والسلفيين، إضافة إلى أخطائهم فى إدارة الدولة، والتعامل مع الإعلام والقضاء، لذلك أتوقع أن يكون التصويت بشكل عقابى ضد الإخوان والسلفيين، وسيحصلون فى الغالب على مقاعد تعبر بدقة عن عضويتهم وجمهورهم المتعاطف، والتى لن تزيد على 40% فى أحسن الأحوال. لقد انتهى الانبهار الشعبى بالوجوه المتوضئة التى تطرح حلا إسلاميا لكل مشاكل مصر! وحل مكانه سخط عام، وشعور بأن مرشحى التيار الإسلامى خدعوا الشعب، فلا الأسعار انخفضت، ولا العدل الاجتماعى تحقق، والأهم أن ممارسات بعض نواب وممثلى التيار الإسلامى لا تخلو من فساد وانحراف أخلاقى. فى الانتخابات المقبلة سيميز الناخب بين تدينه والتزامه بالإسلام، وبين اختياره السياسى، فليس من الضرورى أن يكون كل مرشح إسلامى صالحا للعمل السياسى أو التشريعى، وهناك فروق هائلة بين الداعية الصالح أو المسلم الحق والسياسى الناجح، بل إن الجمع بينهما قد يسىء للإسلام والمسلمين، لاسيما أن ممثلى المعارضة هم مسلمون أيضا، وقد رأينا دعاة وشيوخا أفاضل من حفظة القرآن الكريم دخلوا البرلمان، وخلال 160 يوما هى عمر البرلمان المنحل لم يمارسوا أى دور رقابى أو تشريعى، ولم نسمع أصواتهم، وكانوا مثل أبوالهول فى صمته.