شاخت الثورة قبل أوانها، وتعثرت، وتراجعت موجتها، وتلاشى حماسها، وتدحرجت من حجر الشباب إلى حجر العواجيز إلى العسكر إلى حجر بقايا نظام مبارك.. وأخيرا إلى اللاشىء.
أنت تعلم تماما وتشعر جدا بأجواء مرحلة «الميوعة» التى نعيشها.. الثورة والـ«لا» ثورة، الضباب الذى تعجز بسببه عن تمييز متى تتظاهر وتهتف وتصرخ، ومتى تهدأ وتفكر وتتفاوض وتطرح عدوك أرضا دون قطرة دم أو اشتباك!
هل استخدم أحدهم ورقة كربون جيدة الصنع لينقل لنا واقع ما بعد 25 يناير إلى واقع ما بعد 30 يونيو بتفاصيله وأخطائه وغباوته؟!
تابع تحركات محمود بدر ومحمد عبدالعزيز داخل لجنة الخمسين وتحركات باقى أعضاء حركة تمرد بعد رحيل الإخوان وستفهم أنهم مجرد نسخ للتحركات البائسة لشباب الثورة بعد 25 يناير.. عجز عن إدراك الفرق الجوهرى بين الهتاف والسياسة، السقوط فى فخ الهوس بالفضائيات، وأخيرا البحث عن طرف قوى وتسليمه مفاتيح اللعبة.
بعد 25 يناير سلم الشباب مفاتيح اللعبة للإخوان، وبعد 30 يونيو وعلى طبق من فضة، وبإضافة المزيد من توابل المدح والتفخيم يقوم شباب تمرد بتسليم كل المفاتيح للمجلس العسكرى أو الفريق السيسى تحديدا.
هل تصدق أن شابا قاد حركة للتمرد على نظام سياسى متهم بفردية اتخاذ القرار والاستحواذ على السلطة لصالح جماعة، هو نفسه الذى يسعى الآن لتسليم السلطة إلى فرد.. ويقول إنه سيكون الداعم الرئيسى للفريق السيسى فى حال ترشحه للرئاسة؟
معذور؟!
أنت تقول ذلك تحت شعار أنه لم ير بديلا لحكم مصر أفضل من السيسى، ولكنه ليس معذورا أبدا، لأنه لم يميز بعد الطرق التى تأخذ الأوطان فى «سكة الحكم الفردى»، عن الطرق التى تأخذ الأوطان فى سكة الديمقراطية والإصلاح بالتسويق لدولة المؤسسات والحكم المدنى.
معذور؟!
أنت تكررها مرة أخرى، ولكنه ليس معذورا أبدا، لأن من يقرر العمل فى السياسة عليه أن يدرك أولا أن الفجوة ضخمة ومتسعة بين ما يعرف باسم الحكم العسكرى وما يعرف باسم حكم الفرد؟
وكيف ألتمس العذر لشخص قرر أن يعمل بالسياسة وفشل فى تشخيص داء مصر، وإدراك أن أزمتها ليست فى نوع البدلة التى يرتديها رئيس الجمهورية، ولكن فى أوانها الذى حان لكى تتخلص من حكم الفرد أيا كان هذا الفرد، وأيا كانت عظمته، وتنطلق نحو دولة يحكمها القانون والمؤسسات ونظام إن غاب عنه ألف ألف من أفاضل البشر يستمر فى عمله بنفس الكفاءة والاقتدار؟!
لا تتعجل وتعزف على أوتار حسن النوايا.. النوايا بمفردها يا سيدى لا تصنع أوطانا ولا تطعم الجياع ولا تؤمن لنا مستقبلا كريما.
عالم النفس والباحث الأمريكى الشهير يقول فى دراسة رائعة له عن النوايا الحسنة فى معظم الحالات لا يتمكن الأشخاص من الاحتفاظ بنواياهم والخبر السيئ يتمثل فى أن النوايا الحسنة لا تجدى نفعا بمفردها، ونوايا محمود بدر أو محمد عبدالعزيز مهما كانت درجة حسنها يمكن أن تنتج لنا كل ما هو قبيح، خاصة حينما تعرف أن عبدالعزيز وقف فى لجنة الخمسين يدافع عن مادة محاكمة المدنيين عسكريا، مختلقا لدفاعه نفس التبريرات الوهمية التى استهلكها نظام مبارك ومن بعده الإخوان، وكلها تتعلق بالأمن القومى، ونحن فى حالة حرب، والقضاء الطبيعى بطىء.
هل فهمت الآن لماذا أخبرتك فى البداية بأن الثورة شاخت؟
لأن بدر وعبدالعزيز توقف عقلهم وتقلصت مساحات تفكيرهم وإبداعهم وتمردهم عند تلك المحطة العجوز التى يرى فيها السياسيون الراغبون فى الحصول على مناصب ومكاسب أن السيسى كفرد هو الحل الوحيد للخلاص من صداع الانتخابات والجدل حول الشخصيات.. البديل الجاهز الآمن خير من وجع الدماغ، هكذا يفكر العجائز، وهكذا يرغبون فى راحة البال حينما يحيلون كل شىء إلى حجة الأمن القومى وحالة الحرب مع الإرهاب مثلما فعل ممثل تمرد فى لجنة الخمسين.. صدقنى وهج السلطة محفز قوى لنمو خلايا الشيخوخة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
ثورة؟ بأمارة إيه؟
كفاكم ضحك على الناس
عدد الردود 0
بواسطة:
أماني
سيدي ليس هناك وجها للتعارض
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد نور الدين
الفريق اول عبدالفتاح السيسي هو الرجل المناسب للظروف الحالية
عدد الردود 0
بواسطة:
خليجي
مقال ثوري حر
عدد الردود 0
بواسطة:
عمر
الشعب الذى يملك المفتاح هو الذى يستطيع تسليمه لمن يريد