كانت سينما «سارولا» فى شارع الحمرا فى بيروت تبدل الفيلم المعروض فى يوم «الاثنين» من كل أسبوع وكنا فى يوم 22 يناير سنة 1979 وكان على «محاسن» زوجتى أن تذهب لإحضار طفلتنا الرضيعة «وسيمة» من حضانة «تل الزعتر» فى حى «الدامور» بعد انتهاء عملها فى مؤسسة «صامد» الفلسطينية وكان من المفروض أن يمر عليها سائق سيارة الصديق «زياد عبدالفتاح» أمد الله فى عمره مسؤول وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» التى كنت أحد المحررين بها، لكنه تأخر، كان المناضل المصرى الكبير «فاروق القاضى/ أحمد الأزهرى» قد قدمنى منذ سنتين للرجل الذى أطلقت عليه «جولدا مائير» لقب «الأمير الأحمر» بعد عملية «ميونيخ» الشهيرة، فطلبت من الصديق «أبو حسن سلامة» المساعدة لإحضار ابنتى من دار الحضانة فى أية سيارة ممكنة، كان «الأمير الأحمر» مسؤول أمن الزعيم «ياسر عرفات» وهى الفرقة المعروفة باسم «فرقة الـ17»، كنت أعرف أن «أبو حسن» كان يستعد فى هذا اليوم للسفر إلى دمشق واللحاق بزعيمه وأبيه الروحى «الختيار/ أبوعمار» لحضور اجتماعات الدورة الرابعة عشرة للمجلس الوطنى الفلسطينى، وطلب «أبوحسن» من الصديق «جميل» سائق سيارته الخاصة أن يتولى هذه المهمة قبل أن يعود به إلى بيت زوجته «جورجينا رزق» فى حى الصنوبرة، فشكرت «أبوحسن» وانصرفت مع «جميل» الذى أوكل هذه المهمة للشاب «خالد الأسمر» الذى اصطحبنا فى سيارته، وأحضرنا طفلتنا الرضيعة وعدنا إلى البيت فى الساعة الثالثة ظهرا، كنت أسكن فى بناية «البيست هوم» فى شارع الحمرا وكانت لا تبعد عن سينما «سارولا» بأكثر من 200 متر وكان على الهرولة للوصول قبل بداية عرض الفيلم فى حفلة الساعة الثالثة التى سوف تبدأ عرض الفيلم الأمريكى «Dog Day Afternoon» بطولة «آل باتشينو» والذى ترجمه أفيش السينما يومها باسم «بعد ظهر يوم لعين»، حضرت الفيلم، وما أن خرجت من باب السينما حتى صعقنى الخبر، لقد تم اغتيال «أبوحسن سلامة» كانت بيروت كلها تكاد أن تنفجر من صعقة الخبر، ركبت فى سيارة «السيرفيس» الصفراء ووصلت إلى مبنى «الـ17» فى حى الفاكهانى ودخلت على الصديق «فاروق القاضى/ أحمد الأزهرى» أمد الله فى عمره وكان مستشارا لأبو عمار، وكانت غرفة مكتبه ملاصقة لغرفة «أبو حسن»، وعرفت بعض التفاصيل، كان أهمها أن «أبوحسن» قد لفظ أنفاسه الأخيرة فى مستشفى الجامعة الأميركية، وقد تمت عملية الاغتيال بتفجير سيارة «فولكس فاجن جولف» زرقاء اللون عن بعد لاسلكيا، وكانت هذه هى أول مرة فى التاريخ تتم عملية اغتيال بالتفجير عن بعد بالريموت كونترول، كان «ياسر عرفات» فى فندق «الميريديان» بدمشق، عندما تلقى خبر استشهاد أقرب رجاله وأحبهم إلى قلبه، وجرت مراسم تشييع جثمان الشهيد، وسرت فى الجنازة المهيبة إلى جوار «زياد عبدالفتاح» والكاتب السورى «حيدر حيدر» وكنت أتأبط ذراع «عاطف بسيسو»، كانت مقابر شهداء منظمة التحرير الفلسطينيين، بالقرب من مخيم شاتيلا للاجئين فى بيروت الغربية، وحمل «الختيار/عرفات» بنفسه وهو يبكى والدموع تنهمر على وجنتيه ولحيته، كان هناك أكثر من خمسين ألف فلسطينى ولبنانى مشوا خلف نعش الشهيد وقال عرفات: «إننا نوارى شهيدا التراب..إلى اللقاء أيها البطل، نحن لا نبكيك اليوم فاستقر مكانك فى كبرياء سنكمل مسيرتنا إلى فلسطين مهما كانت التضحيات وعلى مقربة من «عرفات» كانت تقف «أم حسين»، الزوجة الأولى للشهيد، وكان «حسن»، الابن الأكبر للشهيد، يرتدى ملابس الفدائيين خلال الجنازة، تتدلى الكوفية فوق كتفيه ويمسك فى يده مدفع الكلاشينكوف، لقد ظل هذا اليوم فى ذاكرتى مرتبطا بالفيلم الذى رأيته فيه.. حقا لقد حدث هذا «بعد ظهر يوم لعين».. بل إنه كان من ألعن الأيام التى مرت على فى حياتى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد
احسنت
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد
احسنت
عدد الردود 0
بواسطة:
حمزه عواد
ستنبة نبتة الحريه مطرزه باسم فلسطين ومعطره بدم الشهداء
عدد الردود 0
بواسطة:
د.فاديه مغيث
متى يندlمل