حدثنى الحاج حافظ سلامة عن حبه الشديد للقوات المسلحة، وعن شهرته داخل أوساط الجيش لدرجة أن المقاتلين كانوا إذا شحت لديهم مواد الغذاء كانوا يطلبونها منه لتدبيرها مثل الدقيق وغيره، ومن ثم بادلته القوات المسلحة حبا بحب أيضا، وكان له شعبية كبيرة جدا بين القادة والضباط والجنود.. عرض عليه الرئيس السادات أن يتولى منصب محافظ الإسماعيلية فرفض، وفى أثناء الاحتفال بنصر أكتوبر كان الحاج حافظ سلامة يجلس بين القادة الكبار، فقد كانت علاقته برئيس الأركان علاقة مودة وحب، وهنا أقصد الفريق سعد الدين الشاذلى، وكانت علاقة الرجل جيدة بشيخ الأزهر العالم الكبير الدكتور عبدالحليم محمود، وهنا ربط هذا الرجل المصرى الكبير بين مؤسسة الجيش والأزهر وبين الشعب وجيشه فى تناسق كبير، وهذا هو المعنى الأهم لنصر أكتوبر، أن الجيش انتصر بجهود شعبه الذى وقف خلفه صابرا محتسبا واثقا من أن الله سينصرنا.
كنت أقرأ عما يحدث من قرب بين تواجد الجيش المصرى على الضفة الغربية للقناة وجيش العدو على الضفة الشرقية، ولكنى لم أكن أتصور عبء ما كان يمثله ذلك على نفس المقاتل المصرى إلا حين سافرت إلى الإسماعيلية فى زيارة دعانى إليه صديق لى يسكن هناك، وحين ذهبنا إلى الضفة الشرقية للقناة عبر عبارة نقلتنا إلى هناك ووقفت وشاهدت المشهد على الطبيعة كدت أصعق من وحشية المشهد، كيف كان العدو الصهيونى بهذه الدرجة من القرب الجغرافى لمدننا فى القناة؟ وكيف تحمل مقاتلونا وجنودنا ظلم هذا الوجود القريب جدا من الجنود الصهاينة من مدننا، فكما نعرف فإن عرض القناة يبلغ حوالى 345 مترا فقط، لكنك لن تستطيع تصور حجم الشعور بالمأساة إلا حين تشاهد الموقع على الطبيعة، كنت أصرخ وأقول كيف تحملنا أن يكون الصهاينة بهذا القرب من مدننا ومن عاصمتنا فضلا على احتلال سيناء الحبيبة، ومن ثم فنصر أكتوبر حرر إرادتنا وأثبت أن الشعب والجندى المصرى قادران على النصر والفعل لو أتيحت له الفرصة، وأثبتت حرب أكتوبر فى حالة السويس أن المقاومة الشعبية هى بديل عن الجيش لو تعرض قراره الرسمى للاهتزاز، فقد أعلن الحاج حافظ سلامة رفض استسلام المدينة، واستطاعت المقاومة الشعبية أن تهزم قوات العدو الذى اضطر لإعلان الانسحاب من المدينة العظيمة، نحن المصريين من علمنا العالم العربى المقاومة الشعبية، فنحن من بدأناها منذ وقت مبكر عام 1973 بقيادة قائد المقاومة الشعبية الرائع الحاج حافظ سلامة.
كنت أزور العريش فى الصيف للتصييف هناك، فقد كان هناك أحد المعسكرات الذى تستأجره نقابة الصحفيين من المحافظة ووزارة الشباب، وكان المصيف يعرف بمصيف الفقراء، وهو قد توقف الآن فقد كان يمثل منفذا لكثير من الصحفيين الذين لا يملكون ترف السفر إلى الساحل الشمالى، وكانت العريش تبذل جهدا كبيرا فى خدمة الصحفيين، كما كانت فرصة لمقابلة المحافظ والمقاتلين الكبار من القبائل المختلفة الذين لعبوا دورا كبيرا فى حماية سيناء كأرض مصرية رغم احتلالها، وظلوا محتفظين بوطنيتهم ورفضوا أى محاولات للمساس باعتزازهم ببلدهم وإصرارهم على النصر من وراء جيشهم ومع شعبهم، كنا أحيانا نذهب حتى رفح المصرية ونرى معبر رفح الذى يفصل بين مصر وغزة، ونرى التداخل بين هناك على الحدود بين الشعب المصرى والشعب الفلسطينى، وكنا نسمع الحكايات عن بطولات أهل سيناء فى حرب الاستنزاف وفى حرب أكتوبر، وكان الحديث دائما عن ضرورة تنمية سيناء، الشباب الذى راودته نفسه بأن مناسبة أكتوبر ستكون مناسبة للاحتجاج ضد الجيش والدولة المصرية لم يحسن التفكير ولا الاختيار، فأكتوبر هو نصر لنا جميعا، ويجب أن يظل موضع إجماع لنتدبر دلالاته ونتأكد أن مصر لا يمكنها أن تنتصر إلا حين يكون جميع أبنائها بكل طوائفهم يدا واحدة.