اليوم عيد الأضحى المبارك أعاده الله على كل المصريين بالخير والسعادة والحب والاستقرار وإعادة اللحمة المصرية والتوحد الوطنى حتى نستطيع أن نخرج من هذه المرحلة الانتقالية الاستثنائية بسلام وأمان، عيد الأضحى هو عيد التضحية والبناء، وقيمة الأعياد وعظمتها هى أننا نتذكر هذه المناسبة ونستعيد ذكراها حتى نرسخ فى أعماقنا تلك القيم العظيمة لتكون لنا هاديا ومرشدا، فالتضحية والفداء هى قيمة إنسانية راقية لا يصل إليها أحد إلا إذا كان لديه الإدراك والإيمان بالموقف الذى يمكن من أجله أن تقدم على الفداء وأن تقدم التضحية، وإذا كانت قيمة الأضحى هى الامتثال والخضوع لإرادة الله وأوامره حتى لو كانت على حساب التضحية بأغلى ما يملك الإنسان، وهو فلذة كبده «الابن». فالتضحية المقابلة لتنفيذ الأمر الإلهى بتقديم التضحية كانت هى الفداء الذى جاء مقابل الابن وعوضا عنه، فالله سبحانه وتعالى لا ينسى تعب أحد ولا يتغاضى عن طاعة المخلوق له، والمقاصد العليا للأديان قد أوجبت على الإنسان أن يضحى من أجل الدين والعرض والحياة والمال والوطن.
«لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، وغير ذلك هو نقيضه فإذا قاتلوكم فى الدين أو إذا أخرجوكم من دياركم هنا وجب الدفاع والتضحية، والخروج من الديار يعنى الاعتداء على الوطن الصغير وعلى المال والروح، وإذا كانت الديار الخاصة هى وطن الإنسان الصغير، فالوطن هو الديار الكبرى التى يتوجب حمايتها والدفاع عنها بكل ما يملك الإنسان، ولذا فالوطنية وقيم الانتماء للوطن هى قيم ومبادئ مستمدة من القيم الدينية، ولا تناقض مطلقا بين التمسك بالدين والانتماء للعقيدة والدفاع عنها حتى الموت وبين الانتماء للوطن والدفاع عنه، كما أن الآخر الدينى لم يقاتلك فى الدين ولم يخرجك من ديارك فكان القسط له واجبا دينيا أيضا، والحالة المصرية ذات الخصوصية التاريخية فى تاريخ الفتح الإسلامى لمصر لم تفتح مصر عنوة بقوة السلاح، ولكن أقباط مصر هم من رحبوا بالفاتح عمرو بن العاص وسهلوا له المهمة حتى يرفع عنهم ظلم واضطهاد الرومان لهم، ولذا فالأقباط لم يقاتلوا المسلمين فى الدين ولم يخرجوهم من ديارهم، بل فتحوا لهم ديارهم هم، ولذا وجب لهم القسط، وهذه عظمة مصر وعظمة المصريين طوال تاريخهم الطويل، فمهما حدث من أحداث ومشاكل فهى طارئة تنتهى بانتهاء الحدث وتبقى العلاقة التاريخية التى أصبحت جزءا من التكوين الجينى المصرى الحضارى الرائع، ولذا نجد فى مصر بالرغم من كل دعاوى المتشددين من هنا ومن هنا، نجد أن الأعياد الدينية الإسلامية هى أعياد للجميع، كما أن الأعياد المسيحية هى أيضا أعياد للجميع، مهما تشدد المتشددون ومهما غالى المغالون ومهما قالوا لا تعيد على المسيحى فى أعيادهم، فهذا لن يكون. إن الروح المصرية جعلت الأعياد الدينية الإسلامية والمسيحية أعيادا مصرية قومية لكل المصريين. ولذا وبهذه الروح وبتلك العلاقة لم يستطع مستعمر حتى الآن وطوال التاريخ أن يصل إلى ما يريد عن طريق قسمة الوطن بين مسلمين ومسيحيين، فإذا كان رمضان عباداته وطقوسه قد أصبحت ملكا لكل المصريين، وإذا كان عيد الأضحى يوما يخرج فيه كل المصريين للمعايدة والاحتفال، ألا يعنى هذا أن هذه الأعياد لكل المصريين. وكذلك أعياد المسيحيين، وهنا نتحدث عن المتشددين الذين يرفضون الآخر، فستظل مصر وطنا لكل المصريين وأعيادها أعيادا لكل المصريين، ولذا فمصر غالية على كل المصريين، وبمناسبة عيد الأضحى المبارك نتمنى من كل المصريين أن يترجموا حبهم لمصر إلى واقع عملى حتى تعود مصر لكل المصريين وكل عام والمسلمين وكل المصريين بخير وسلام وحب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة