تبقى مقولة «الدين لله والوطن للجميع» شاهدًا على محاولات المصريين دائمًا لمقاومة الفتنة والتقسيم والتصنيف الدينى والتفرقة بين المواطنين، لكن تظل هذه المقولة ناقصة كثيرًا، عندما يبدو فى الظاهر أن هناك استهدافًا للمسيحيين بشكل أكبر من المسلمين. فقد كانت الكنائس وممتلكات الأقباط هدفًا للمتطرفين فى بنى سويف والمنيا، والصعيد عمومًا، كما كانت هناك اتهامات من الأقباط دائمًا بأنهم الركن الأضعف دائمًا، أو أنهم المستهدفون، سواء قبل ثورة يناير أو بعدها.
قبل يناير كانت هناك أحداث نجع حمادى والقديسين والعمرانية، وغيرها، وبعد يناير وقعت أحداث رفح وأطفيح والمقطم وقنا والماريناب و ماسبيرو وإمبابة وأبوقرقاص فى 2011، ثم العامرية ودهشور والخصوص والمنيا فى 2012 و2013، ثم استهداف المسيحيين فى رفح والصعيد بعد مرسى، وبعد فض اعتصام رابعة، وبدا أن المتطرفين يستهدفون الأقباط، لكن فيما يخص الإرهاب فإنه لا يفرّق بين مسلم ومسيحى.. ففى مذبحتى رفح الأولى والثانية، وكل التفجيرات والعمليات فى رفح والإسماعيلية والقاهرة، لا تفرق بين مواطن وآخر، وهو ما أكده الأنبا يوحنا، أسقف الوراق فى موعظته لأهالى ضحايا الغدر، عندما قال: إن اليد الآثمة التى قتلت أبناءنا أمام الكنيسة، هى نفسها التى قتلت أبناءنا وهم يتناولون إفطارهم فى شهر رمضان فى رفح.
ومن الوارد جدًا أن أى شخص فى مرمى الإرهاب.. ونتذكر أنه بعد أحداث الكشح 1999، كانت أعنف الصراعات الطائفية، بدأتُ تحقيقًا عن التعذيب والاعتقالات توصلت فيه إلى أن التعذيب والاعتقال لا يفرّقان بين مسيحى ومسلم، وكان عدد المسلمين متناسبًا مع عددهم الفعلى، وكتبت تحقيقًا بالأرقام «الدين لله والتعذيب للجميع».. كان الاعتقال والاضطهاد لا يفرّقان بين مسلم ومسيحى.
وفى الوراق كانت مريم الطفلة الأيقونة ضحية الإرهاب تعيد التذكير بشيماء، ضحية الإرهاب فى التسعينيات، والتى راحت ضحية تفجير موكب رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقى.
هناك إرهاب يركز على الكنائس كما رأينا فى الصعيد، ويتصور أنها بلا حراسة، ربما لدفع المسيحيين لطلب التدخل الدولى، وهو ما لم يحدث طوال شهور، وإن كان أشعل الغضب تجاه الإرهاب.
وإذا مددنا الخيط لآخره فسوف نكتشف أن الفقر والبطالة والظلم والوساطة والفساد لا تفرّق بين مسلم ومسيحى، والأمر نفسه فى الإرهاب الذى لا يفرّق بين مسلم ومسيحى، و يؤكد من جديد أن «الدين لله والإرهاب للجميع».
ومن يبرر قتل الشرطة أو الجيش، لا يختلف عمن يبرر قتل أى مختلف معه سياسيًا أو دينيًا.. هناك من يبرر الاعتداء على الأمن بدعوى أن «دى شغلتهم»، أو باعتبارهم أعداء، ومن يبرر قتل المسيحيين واستباحة أموالهم لأنهم أعداء، أو ظنا أنهم أكثر سعادة، بالرغم من أن المواطنين سواء فى البطالة والظلم والمطالب، ورأينا كيف أن بعض من حاولوا التقليل من قيمة مظاهرات الشعب فى 30 يونيو، قالوا إنهم مسيحيون مع أنهم أنفسهم يقللون من أعداد المسيحيين، بما يكشف عن حجم التناقض.
المصريون واحد، وأغلبهم يرى أنهم جميعا ضحايا للإرهاب والتعصب، والدليل مريم اليوم وشيماء بالأمس.