استوقفنى كثير هذا التحول الغريب فى موقف البرادعاوية تجاه الأحداث الجارية الآن فى مصر، حيث انقلب الموقف تماماً لهجوم مستمر على الجيش وتعاطف مُفتعل مع الإخوان وترويج لعودة إنتاج النظام الديكتاتورى القديم على يد المؤسسة العسكرية.. وكل هذا التحول بعد مغادرة البرادعى الأخيرة.
الدكتور محمد البرادعى لم يكن يوماً له وجود حقيقى ملموس منذ عاد إلى مصر قبل الثورة (٢٥يناير) وحتى غادرها بعد الثورة المكملة (٣٠ يونيو).
بعد عودته إلى مصر وتأسيس الجمعية الوطنية للتغيير التى جمعت الكثير من شباب مصر المتعطش للتغيير وتحقيق العدالة الإجتماعية وإقامة دولة الديمقراطية الحق، حيث لاحت فى الأفق المظلم بارقة أمل.. فسارع الشباب المخلص فى جمع التوكيلات للبرادعى الذى كان بمثابة المُخلص لهؤلاء المحبطين.
وبعد اندلاع ثورة يناير وفى لحظة فارقة فى تاريخ مصر عندما تم تحديد موعد للانتخابات الرئاسية، وفى الوقت الذى عقد فيه ملايين المصريين آمالهم على البرادعى الذى اعتبروه ضمير الثورة كما هو متعارف عليه، قرر الانسحاب.
بعد تجاوز هذه الأزمة، قدم البرادعى أملاً جديداً لمعشر الشباب (حزب الدستور)، الذى قام بتأسيسه ليكون كياناً ضخماً يجمع شتات شباب الثورة المتناثرين هنا وهناك.
سارع مئات الآلاف ممن يؤمنون بالبرادعى ويعتبرونه أيقونة الثورة المصرية بالإنضمام والعمل الجاد المغلف بالأمل والعزيمة والرغبة الصادقة فى بناء هذا الكيان المرجو.
لكن سرعان ما ترك البرادعى هذا الكيان المنشود فريسة للصراعات والتناحرات على المناصب والكراسى، واكتفى كعادته السلبية بكتابة التويتات التى لا تثمن ولا تغنى من جوع.
وقرر ضمير الثورة للمرة الثانية الغياب وانسحب من رئاسة الحزب وقرر أن يكون منصبه شرفى فقط.
فتهدمت آمال وأحلام كثيرين، وكان مقابل كل هذا الحماس والإيمان بالفكرة، إحباط شديد وواقع مرير وإعادة إنتاج لنظام قديم تم إسقاطة بدماء الآلاف من شهداء الوطن.
وكالعادة بقى حزب البرادعى (الدستور) حزب كارتونى! وانضم إلى قائمة الأحزاب الفاشلة وتوالت الإستقالات الجماعية من الحزب!.
ثالثاً وأخيراً عندما تولى البرادعى منصب نائب الرئيس المؤقت للعلاقات الخارجية.. انعقدت من جديد آمال البرادعاوية والمريدين الحالمين بالتغيير.
لكن سريعاً ما أثبت البرادعى عدم قدرته على الوجود أصلاً! وعدم قدرته على تحمل تبعات منصبه والقيام بواجبه، فكانت القشة التى قسمت ظهر البعير (انسحابه المعتاد من أى موضع مسئولية) وتقديم استقالته من الحكومة فى أحلك الظروف وأدق الأوقات، حيث كان موقفه هذه المرة بمثابة طعنة الخنجر فى ظهر مصر، وأعطى موقفه الشديد السلبية ذريعة للتدخلات الغربية الفجة فى شئون البلاد، فانسحب فى صمت كالعادة تاركاً ميراثاً ثقيلاً لأتباعه ومحبيه من الخزى والإحباط.. هذا هو البرادعى ضمير الثورة.. الضمير الغائب دائماً.