فى خضم الأحداث الجارية منذ شهور هناك حالة حمى من المبادرات تجتاح الأجواء، ولم يعد يمر يوم ولا ساعة إلا وهناك مبادرة سياسية أو فكرية للتصالح والحوار بين الإخوان والدولة لم يكن آخرها مبادرة الدكتور أحمد كمال أبوالمجد التى أعلنت قيادات إخوانية رفضها، والغريب أن عمرو دراج ومحمد بشر كليهما قياديان بالجماعة وحزبها ووزيران فى حكومتها، وهما عامل مشترك فى كل المبادرات والحوارات، فقد سبق لهما أن التقيا الأستاذ محمد حسنين هيكل، ودار حوار خرج بشر ودراج ليتملصا منه ويعتبراه مجرد لقاء دردشة، بالرغم من أنه لا توجد سوابق لعلاقات بين الجماعة وهيكل.
ونفس الأمر تكرر مع الدكتور أبوالمجد، حيث جرت لقاءات وحوارات، لكن القياديين خرجا ليعلنا أنهما لم يطلبا حوارا، وأن الجماعة ترفض الحوار، وهو أمر يثير الكثير من علامات الاستفهام، لأن القياديين يشاركان فى لقاءات ويتملصان من الحوارات، وهناك أكثر من خطاب للإخوان، رسمى وغير رسمى وحزبى وتنظيمى محلى ودولى.
ثم أن الحكومة تعلن أنها لا تدعو لحوارات ولا مفاوضات، وكأن العفاريت هى التى تدير هذه اللقاءات والحوارات.
والمثير أن هناك قيادات إسلامية تدخل المزاد، وكل منها يطرح مبادرة أو يتحدث عن حوار، بينما كل الأطراف تنفى، ومعروف أن السياسة لها خطابات مزدوجة، ومتناقضة، لكن جماعة الإخوان تفوقت على نفسها وغيرها فى تعدد الخطابات والمقولات.
قبل أسابيع خرج قيادات بالحزب ليعلنوا اعتذار الجماعة عن الأخطاء، سرعان ما خرج لهم قيادات أخرى تنفى الاعتذار. وترفض الاعتراف بأى نوع من الأخطاء، وهى أخطاء ظاهرة ويمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولا تحتاج إلى كثير من الجهد، ثم إن الجماعة تبدو بالفعل متعددة الرؤوس والآراء، هناك مكتب الإرشاد ومجلس الشورى وهناك الحزب، ولا ننسى التنظيم الدولى بتفاصيله، وهى نفس التركيبة المعقدة التى تعد المسؤول الأول عن حالة التناقض والتضارب داخل الجماعة وأثناء توليهم السلطة.
وبالطبع فإن قيادات الجماعة ربما لا ترى داعيا للاعتراف بأخطاء، أو الاعتراف بوجود مشكلة مع الشعب أكثر منها مع السلطة، وربما تخشى القيادات إن فعلت أن تقف أمام القواعد والشباب لتحاسب عن الضحايا والخسائر الضخمة التى وقعت، أو ربما يريدون الاستمرار فى استخدام الشباب للضغط، حتى يمكنهم الحصول على خروج آمن، أو الإبقاء على مكاسبهم، ولهذا تظهر الازدواجية، ويتواصل التحاور من جهة والضغط من جهة أخرى، وربما كان هناك بالفعل تناقض بين القيادات فى الخارج والداخل، وأن التنظيم الدولى يسعى للحفاظ على كيانه أمام موجات الغضب فى مصر وتونس والسودان، وهى أخطار واضحة وتكشف لمن يمتلك قدرا من التفكير أن الخطأ هو فى النظرية والتطبيق معا، وأن تجربة الجماعة بعد ثمانين عاما أصبحت فى مهب الريح وتحتاج إلى إعادة تقييم ونظر تبدأ من الاعتراف بالأخطاء، ومراجعة سلوك أدى خلال أقل من عامين لخسائر تتجاوز كل التوقعات.
لأن الحوار الحقيقى تحتاجه الجماعة وتنظيمها الذى يبدو شائخا وعاجزا عن الفعل، ويغطى على ذلك بخطابات مزدوجة يصعب التغطية عليها.