قبل أكثر من أسبوع تناولت قصة حرب الاستنزاف، وموقعها الرائد فى تاريخنا الوطنى عامة والعسكرى خاصة، وخطيئة تجاهلها لسنوات طويلة، ومنذ أيام تلقيت حول هذه القضية رسالة من العالم المصرى الدكتور طلال عبدالمنعم واصل الذى يعيش فى أمريكا منذ أكثر من أربعين عاما، ويعد من العلماء الكبار فى مجال البحوث العلمية التطبيقية بأمريكا، وهو نجل الفريق عبدالمنعم واصل، أحد قيادات الجيش المصرى وأبطاله العظام فى حروب مصر، خاصة حرب يونيو 1967 وحرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر عام 1973، وإذا كان عطاء هذا الرجل العظيم للعسكرية المصرية تحفظه سجلات التاريخ، فإن تأثيره عميق على شخصية ابنه الدكتور طلال.
طالبنى الدكتور طلال بالعودة إلى مذكرات الفريق عبدالمنعم واصل، وهى بعنوان «الصراع العربى الإسرائيلى - من مذكرات وذكريات الفريق عبدالمنعم واصل»، ويقول الدكتور طلال: «يعتبر الكتاب أن حرب الاستنزاف حرب كاملة، بل هى أصعب حروب مصر، لأنها شهدت إعادة بناء الجيش، وكانت مرحلة تكوين الجيش الثالث والثانى والدفاع الجوى ووحدات عسكرية جديدة، بالإضافة إلى استشهاد قائد الجيش العظيم الفريق أول عبدالمنعم رياض وهو يخوض معركة مع جنوده ضد الجيش الإسرائيلى».
وعملا بهذه النصيحة عدت إلى قراءة الكتاب بعد سنوات من قراءتى الأولى له، ويشير إلى الأجواء السياسية التى سبقت حرب يونيو 1967، وكيف قادت إلى هذه الحرب التى لم يحارب فيها الجيش المصرى، كما يتعرض إلى الفوضى التى صاحبت قرار انسحاب قواتنا من سيناء، ثم ينتقل إلى المرحلة التالية التى شهدت عملية إعداد الجيش المصرى من جديد، والعمليات العسكرية البطولية التى شهدتها هذه المرحلة ضد الجيش الإسرائيلى، وكانت بمثابة الرد القوى الذى يزلزل إسرائيل إلى درجة أن قادتها كانوا ينتظرون اللحظة التى يتم فيها وقف هذه الحرب بأى طريقة، ويستشهد بما قاله وزير دفاع إسرائيل وقتئذ ورئيسها فيما بعد الجنرال «عايزرا وايزمان»: «سيكون من الغباء أن نزعم أننا قد كسبنا حرب الاستنزاف، إن المصريين بالرغم من خسائرهم هم الذين حصلوا على أفضل ما فى هذه الحرب، وفى الحساب الختامى، سوف تذكر حرب الاستنزاف على أنها أول حرب لم تكسبها إسرائيل، وهى الحقيقة التى مهدت الطريق أمام المصريين لشن حرب الغفران».
ويقول الفريق واصل: «حرب الاستنزاف هى أول حرب تضطر فيها إسرائيل إلى الاحتفاظ بنسبة عالية من القوات الاحتياطية بالتعبئة لمدة طويلة مما كان له أثر سلبى على معنويات الشعب الإسرائيلى والحياة الاقتصادية فى إسرائيل».
يتحدث الكتاب عن أهم الدروس المستفادة من حروب مصر، ومن بينها خطأ تدخل القيادة السياسية فى القرارات العسكرية، ويقول الدكتور طلال إنه يعتزم إعادة طبع الكتاب طبعة ثانية، مزودا بمادة كتبها والده ولم تظهر فى الطبعة الأولى، وتؤكد على الدور الرائد للفريق أول محمد فوزى فى إعادة بناء الجيش، الذى تم تجاهله لسنوات طويلة بسبب معارضته للسادات، واتفاق الفريق واصل مع الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى الرؤية لإدارة العمليات العسكرية أثناء حرب أكتوبر، وخلافهما فى ذلك مع الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل وزير الحربية، الذى انتهى بعزل السادات للشاذلى، وحدوث ثغرة الدفرسوار.