لم أتابع حلقة الإعلامى الفذ باسم يوسف برغم محبتى له، واتفاقى التام مع منهجه الناقد للأوضاع المقلوبة، والشخصيات المعطوبة، لأننى أعكف منذ فترة على مشاريعى البحثية الخاصة، لكنى لا أخفيك سرا، أرى أن وقت النقد المجانى قد انتهى، كما أرى أن «مصر» لم تعد تحتمل إضاعة وقت فى الانتقاد وفقط، فقد أشبعنا نظامى مبارك ومرسى انتقادا، لكننا «للأسف» حينما نجحنا فى إسقاطهما، ارتبكنا ولم نرتب أولوياتنا بشكل صحيح، وهو الأمر الذى جعل خطواتنا الإصلاحية «ارتجالية» كما جعل عثراتنا وجبة دائمة نتناولها صباحا ومساء.
اسمح لى أن أعود بك إلى ما قبل إسقاط مبارك، حيث إننا كنا نعرف وقتها أن للفساد عنوانا واحدا هو قصر الرئاسة، لكننا لم نكن نعرف للإصلاح عنوانا، لذلك حينما نجحنا فى إسقاط مبارك، لم يقابل نجاحنا فى «الإسقاط» نجاح آخر فى «النهوض»، ترتب على هذا استقبالنا مسألة إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لشؤون البلاد بفرح هستيرى، أعقبه ألم هستيرى أيضا، جراء إدارة «المجلس» الفاشلة، وفى الحقيقية فإن تنظيم الإخوان كان هو التنظيم الوحيد الذى أعد نفسه جيدا للثورة، فمهد لنفسه الطريق داخليا عن طريق وصفته الفاسدة لخداع الشعب بالرشاوى الدينية والانتخابية، كما مهد لنفسه الطريق خارجيا عن طريق إقامة تحالفات دولية مع أمريكا وتركيا وقطر، أما قوى الثورة فلم تنجح فى إقامة تحالفات خارجية بل على العكس، استعدت العديد من الدول المؤثرة إقليميا متمادية فى هذا الأمر إلى أبعد مدى، كما لم تنجح فى تبنى خطابا داخليا جاذبا باستثناء حالة واحدة فحسب، هى حالة «حمدين صباحى».
كانت الثورة فى ميدان التحرير «مبصرة» لخص غرضها شاب «مجهول» لا أمل من ذكر كلمته الموحية، إذ قال الشاب فى مداخلة تليفزيونية: نحن هنا فى التحرير من أجل استعادة مصر التى قرأنا عنها فى كتب التاريخ، لكن للأسف أمثال هذا الشاب «المجهول»، ظلوا «مجهولين»، وأفرزت الثورة أصواتنا أقل ما يقال عنها إنها «أصوات صماء»، لم تخط إلى طريق المستقبل خطوة واحدة، وخطت نحو الماضى خطوات عريضة، فكانت النتيجة أننا سلمنا مصر إلى عصابة يحكمها لص من نوع فريد، يسرق الروح ويمثل بالبدن، يسرق النور وينعم بالظلمات، لا يزيد دوره عن دور أقذر «حانوتى»، لا يرى له حياة إلا فى موت الآخرين، ولا يتورع عن الإتجار فى أعضاء الموتى.
كانت الثورة مبصرة، تعرف ما تريد، إذ نادى الشباب متحمسين «الشعب يريد إسقاط النظام»، لكن للأسف لم نجد فى نخبتنا من يشرح لنا ماهية هذا النظام الذى نريد أن نسقطه، وكان علينا عبر ألف يوم أن نستكشف أسس هذا النظام ومقوماته، لكى نتمكن من تفكيكه وإعادة بنائه، فمكثنا سنة ونصفا حتى فى التيه، ليعلو الهتاف فى آخر الأمر «يسقط يسقط حكم العسكر»، ثم مكثنا سنة أخرى ليعلو الهتاف مجددا «يسقط يسقط حكم المرشد»، لنعرف الآن أن للاستبداد جناحين يطيران بالجسد الفاسد، هما السلطة العسكرية والسلطة الدينية، وأنهما أساس أى نظام مستبد، وأظن أنه من العبث الآن أن نتخيل أن الحل فى إعادة إحدى السلطتين إلى الحكم، غير مدركين أن الثورة الحقيقية الآن هى فى معالجة الجسد الفاسد، وما هذا الجسد سوى الشعب الذى ضلت بوصلته، وتاهت أحلامه، وتدنت طموحاته، واستسلم لثقافة «الترامادول»، دون أن يجد يدا تنتشله من هذا «الحضيض» بمشروع ثقافى وطنى يعيد مصر إلى صورتها التى «نقرأ عنها فى كتب التاريخ».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
بلال رمضان
اطلاقا
عدد الردود 0
بواسطة:
اميل
الهدف ليس قريب المنال