مازلنا بعيدين عن تحقيق أهداف ثورة يناير فى الحرية والعدالة الاجتماعية، صحيح أننا أصبحنا أحسن حالا مقارنة بحكم مرسى والإخوان بفضل ثورة 30 يونيو، لكنها حتى الآن ما تزال بعيدة عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التى يتمناها ويناضل من أجلها أغلبية المصريين.. أتفهم بالطبع أن 30 يونيو فى بدايتها والطريق طويل وصعب، لأن مبارك والإخوان دمروا مقومات الدولة والمجتمع والتركة ثقيلة، وتطلعات المصريين المشروعة لا سقف لها، وأغلبهم يتعجل قطف ثمار ثورة انطلقت قبل عامين ونصف ولم تنعكس نتائجها بالإيجاب على حياتهم، بل ربما زادت من معاناتهم، لذلك لابد من الشفافية والصدق فى القول، وشجاعة النقد، والأهم سرعة العمل، اعتمادا على رؤية تنحاز للمظلومين، وهم بلا شك أغلبية أبناء الوطن، فى هذا الإطار فإن حكومة الببلاوى تسير فى الاتجاه الغلط، وتفتقر للرؤية والأهداف والقدرة على العمل السريع، كما أن خارطة الطريق بها مشاكل لابد من مناقشتها، فى مقدمتها غياب تصور واضح لدور جماعات الإسلام السياسى فى النظام السياسى، وسيادة فصيل واحد على لجنة كتابة الدستور، وتهميش دور الحوار المجتمعى، وسيادة الفكر الأمنى فى مواجهة التطرف والإرهاب، وهيمنة إعلام الصوت الواحد فى الإعلام.
هذه عينة من مشاكل خارطة الطريق تلخص أزمتى الحرية والعدالة الاجتماعية، وسأكتفى اليوم بمناقشة أزمة الحرية، فقد عانينا فى عصر مبارك من غياب الحريات واحترام الرأى الآخر، واتهام المعارضة بالخيانة والعمالة، وللأسف جاء عصر مرسى والإخوان ليضيف تهمة الكفر إلى جانب الخيانة لكل من يعارضه أو يختلف مع سياساته، ثم جاءت ثورة 30 يونيو لتطيح بحكم الإخوان، لكنها لم تنجح فى نشر قيم الحرية وتأكيد احترام المعارضة السلمية، حتى لو جاءت من الإخوان وأنصارهم، هنا سيقال: وهل هناك معارضة إخوانية سلمية؟ أقول: نعم، صحيح قد لا يمثلون الأغلبية، ولا يؤثرون فى صناعة القرار، لكنهم موجودون، ولابد أن نستمع إليهم، كما أن هناك مواطنين - أنا واحد منهم - يرفضون حكم الإخوان ونهجهم فى المعارضة بعد 30 يونيو، لكنهم غير راضين تماما عن تنفيذ خارطة الطريق، ولاشك أن من حقهم إبداء النقد لأداء لجنة الدستور وحكومة الببلاوى، ولحملات الترويج لترشيح وانتخاب السيسى، ليس لأن الرجل لا يستحق أو ليس من حقه الترشح، وإنما من منظور ديمقراطى يتعلق بضرورة احترام العدالة والمساواة لحملات الانتخابات الرئاسية, الخلاصة.. لابد من احترام حرية الرأى والتعبير والالتزام بقيم وآليات الديمقراطية، بحيث لا يخون أو يكفر صاحب الرأى المعارض لخريطة الطريق، طالما التزم بالسلمية، كما أن نقد خارطة الطريق لا تعنى بالضرورة تأييد الإخوان أو دعم مخططاتهم التخريبية، بل على العكس قد تساعد فى مراقبة وتفعيل خطوات تنفيذ خارطة الطريق وحمايتها من أى عبث، وتطوير الأداء الباهت والمرتعش لحكومة الببلاوى، وأعتقد أنه لا يمكن التضحية بالحريات والديمقراطية من أجل الانتصار على الإرهاب أو هزيمة الإخوان، كما لا يوجد تعارض بين الوفاء بمتطلبات التحول الديمقراطى والحفاظ على قوة الدولة، فالحريات والديمقراطية واحترام الرأى الآخر وإشراك الأقلية هى وسائل ضرورية لهزيمة الإرهاب والإخوان وتحقيق دولة الحرية والعدالة الاجتماعية، التى ستكون بالضرورة دولة قوية ومنيعة، لأن درس التاريخ يثبت أنه لا توجد دولة قوية مستبدة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د/ عمر حسن
اصبحنا احسن حالا