يكثر الحديث هذه الأيام حول «حكم العسكر» وماهيته، وسط تبادل الاتهامات بين الكثيرين من شباب الثورة حول تأييد أحدهم لـ«حكم العسكر» أو معارضة أحدهم له، وفى الحقيقة فإننى لاحظت أن هناك التباسا كبيرا فى «المصطلح»، فكثيرون ممن يرددون هذا «المصطلح» لا يدركون المعنى الحقيقى له، وهو الأمر الذى يتطلب توضيحا وشرحا، بالنسبة لى، فإن حكم العسكر يعنى فرض إرادة فوقية قهرية على المجتمع بقوة السلاح، دون رغبة من الشعب أو رضا، ويعنى أيضا أن تصبح الدولة رهنا لإشارة الحاكم العسكرى الذى غالبا ما يغتصب السلطة، مدججا بالسلاح والإرهاب، دون أن يكون للناس حق الاعتراض عليه أو مقاومته، ودولة العسكر بالنسبة لى هى تلك الدولة التى تكثر فيها المحاذير، وتتعدد فيها الخطوط الحمراء، تحت دعاوى الحفاظ على الأمن والوطن، ويشيع فيها سيطرة العسكريين على مفاصل الدولة، وتوليهم «دون حق» للمناصب المهمة، لا لشىء إلا لقربهم من صناع القرار، وكونهم من «أهل الثقة»، كما يعنى أن تظل «السرية» شعارا مرفوعا أبد الدهر بدعوى تحريم إباحة المعلومات لإضرارها بالأمن القومى للبلاد، مع جواز انتهاك خصوصية الإنسان وحرماته تحت مزاعم الحفاظ على الحياة العامة.
تلك المفردات هى مفردات «حكم العسكر» فى أى زمان ومكان، وبالنظر إلى الحالة المصرية، فإننا نجد أن الكثير من هذه المفردات مازالت قائمة حتى الآن، وهى بالمناسبة مفردات راسخة من عقود، لم يستطع أى حاكم أن يقهرها بما فى ذلك الرئيس المعزول «محمد مرسى» الذى شهدت مفردات حكم العسكر فى عهده انتعاشا حقيقيا، وذلك خلافا لما كان متوقعا، وسبب ذلك أن «مرسى» الذى لم يكن يوما قائدا عسكريا، أراد استمالة الجيش لمعسكره، فأبى الجيش ذلك بقوة، وشهدنا على أيامه أول إصدار لقانون موقع باسم وزير الدفاع وليس باسم رئيس الجمهورية، وهو قانون تنظيم حق التملك فى سيناء، ولم يقدر مرسى أن ينبس ببنت شفة، ما يؤكد أن الشعار الذى يرفعه الإخوان الآن «يسقط حكم العسكر» ما هو إلا شعار للاستهلاك الإعلامى والحشد الجماهيرى.
ومن المهم هنا أن نذكر أن مصر بخصوصية موقعها وقرب حدودها الدائم من مركز الخطر «إسرائيل»، أسهم فى ترسيخ بعض مبادئ الحكم العسكرى فى الكثير من مواقعها، وهو الأمر الذى تقبله الشعب المصرى برضا تام تقديرا منه لحساسية الموقف وتعقيداته، أما الآن فقد تضاعفت الأخطار بشكل غير مسبوق، وبعد 30 يونيو تعددت مناطق التهديد وتكاثرت، فقد باتت منطقة الحدود مع ليبيا منطقة تهريب وتوتر دائمين، كما اشتعلت الأحداث فى سيناء بشكل غير مسبوق، بعد زرع بؤر الإرهاب فيها بفعل فاعل نعرفه جميعا، وباتت كل سيناء «خطرا» بعد أن اقتصر الأمر قديما على حدودها فحسب، كما أصبحت الأخطار الداخلية أشد فتكا من الخارجية، فعلى مدار عشرات السنين تم تفريغ آلاف الشباب من هويتهم الوطنية، فأصبحوا غير منتمين إلى الوطن، وإنما منتمون إلى «الجماعة» كما تحولوا إلى قنابل موقوتة تهدد المجتمع بالتفجير فى أية لحظة، وهو الأمر الذى قدره الشعب المصرى ووعاه، ولذلك رضى بأن يعيش تحت مظلة العديد من الإجراءات الاستثنائية لتقديرهم صعوبة الموقف وحساسية الأوضاع، ففى ظل «الطوارئ» يتنازل الفرد بإرادته عن بعض حقوقه حفاظا على ما هو أسمى، فأنت حينما تقدم على عمل «عملية جراحية» فإنك تسمح للطبيب بأن يخدرك، ويعمل المشرط فى جسدك، ليستأصل جزءا فاسدا من جسدك، دون أن ترى فى هذا تجنيا أو اعتداء.
نكمل غدا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
يدركون المصطلح
عدد الردود 0
بواسطة:
عمرو مصطفي
ليس من حقه حتي (( مجرد الترشح ))
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن من جمهورية الموز
المدنى و منصب وزير الدفاع فى فرنسا كان سيدة ووزير الدفاع فى أسبانيا كان سيدة وحامل ؟!
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية
مقالة تستحق التأمل لمن يفهم ويحب مصر
فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مكلوم
فيروس وثيقة السلمى لديمقراطية بنى المنقلب
عدد الردود 0
بواسطة:
mostafa soltan
ليبيا
عدد الردود 0
بواسطة:
رمزى عبدالمنعم
نعم للبطل القومى