أتمنى من السيد رئيس الوزراء أو نواب الرئيس أن يقرأوا هذه المدونة وينقذوا آثارنا، أو يجعلوا إنقاذها مشروعًا قوميًا، لا وقت يا سادة بعد كل هذا الخراب، هى مدونة عنوانها «البصّارة»، أى التى ترى ما لا يراه الآخرون، لا تنبؤ هنا كما فى حالة زرقاء اليمامة، لكن هنا حديث عما تغفلون أيها المسؤولون عن آثار مصر، صاحبة المدونة هى سالى سليمان وهى ناشطة فى مجال الحفاظ على الآثار عملها بالأصل مرشدة سياحية وتزاملها فى نشاطها الميدانى الآن كثير من الفتيات والفتيان من بينهم مونيكا حنا وهى من أكثر المتحمسين فى المجال، سالى سليمان قارئة رائعة ومثقفة للآداب والفنون ومن سهارى الإنترنت والمناقشين عليه، ومن الذاهبين وراء الآثار فى أى مكان يحدث فيه اعتداء وسطو، وربما شاهدها فى التليفزيون بعض من يقرأون هذا المقال مع مونيكا حنا فى المطرية أو دهشور أو غيرهما، واهتمت بهما وبما تفعله الفضائيات فى الفترة الأخيرة، المهم نعود إلى البصّارة التى فاجأتنا بها سالى سليمان منذ أشهر قليلة كمدونة جادة وجميلة وعلمية، فدأبت على المدونة تتحدث عن الإهمال والفساد فى وزارة الآثار وفى الإدارات المحلية المعنية بالحفاظ على ما نملك، قبل البصّارة أثارت مشكلة قصر الأمير حليم سعيد بشارع شامبليون منذ أكثر من عام، وكتبت أنا مقالا عن مأساة هذا القصر، ويبدو أن ذلك هو ما جعل سالى سليمان تلجأ إلى إنشاء هذه المدونة التى تدخل عليها فترى الهول كل الهول مما أصاب كثيرا من آثارنا التى تكاد لا تكون فى الوعى الجمعى للمصريين، باعتبارها أماكن غير شهيرة على أهميتها العالمية، وكانت مع مونيكا وغيرها من أنشط بل هما قبل غيرهما من أثارا ما جرى لمتحف ملوى من سرقات بعد فض اعتصام رابعة العدوية، وما جرى من فوضى فى الصعيد، بالإضافة إلى تحديد الكنائس التى تمت مهاجمتها والاعتداء عليها وتخريبها، آخر ما أثارته سالى على مدونتها البصّارة ما جرى من إهمال لقصر السكاكينى بحى السكاكينى، وما جرى للمعابد اليهودية بحى الظاهر، بعد ما أثارته من قبل حول قصر البارون، وقصر الفسقية، وقصر الأميرة حياة النفوس وغيرها. وأنقل لك هنا شيئا مما كتبته عن القصر، أما الصور فيمكن أن تدخل على المدونة، وتبكى مما أصاب القصر وغيره من إهمال ولا يزال.
«حبيب السكاكينى صاحب القصر من أصل سورى وعمل فى وظيفة بشركة قناة السويس فى القرن التاسع عشر طبعا وقبل حفر القناة، بمبلغ زهيد من 3: 4 فرنكات فرنسى فى الشهر».
هناك قصة مشهورة لا دليل يؤكدها أو بنفيها، لكن من كثرة ما ترددت أصبحت من المسلمات، وهى أنه أثناء حفر القناة انتشرت الفئران بشكل وبائى فشلت معه مجهودات شركة قناة السويس فى القضاء عليها، مما هدد بتوقف العمل، فما كان من الموظف حبيب السكاكينى إلا أن اقترح على دليسيبس أن يأتى بالقطط، ويتم تجويعها ثم تطلق لتقضى على الفئران. وقد كان ما اقترح الموظف ونجحت الخطة مما جعل له حظوة لدى دليسيبس وقربه إليه ثم استوظفه كرئيس ورش تجفيف المستنقعات والبرك فى القاهرة. طور حبيب السكاكينى نفسه وعمل أيضًا بالمقاولات، ووصل سيطه إلى الخديو إسماعيل الذى أعجب بقدراته وسرعة بديهته فى حل المشاكل، فأمره أن يعمل مقاولا فى الأوبرا الخديوية تحت قيادة المعمارى الإيطالى Pietro Avoscani.
اقترح حبيب السكاكينى العمل بنظام الفترات كل فترة 8 ساعات ليتواصل العمل على مدار اليوم، وذلك ساعد فى افتتاح الأوبرا فى موعدها المحدد 19 نوفمبر 1869. تم منح حبيب السكاكينى لقب بيك العثمانى من السلطان العثمانى عبدالحميد، ثم لقب باشا، كما منح من بابا روما اللقب الباباوى كونت تقديرًا لمجهوداته فى خدمة طائفة الروم كاثوليك، وبناء دار للأيتام، وشراء قصر دى بيفور فى الفجالة، وإهدائه للطائفة، كما بنى مقابر للجالية ودفن بها حين وفاته سنة 1923، وتقع فى حى مصر القديمة، ويتصدر ضريحه تمثال له صنع فى فرنسا.
كانت الأرض التى بنى عليها القصر بركة وحصل الباشا عليها بالمزاد، وعمل الباشا على تجفيف البركة وتأهيل الأرض، ورصف الشوارع حول المكان الذى اختير لبناء القصر ليصبح هو واسطة العقد ومن حوله ثمانية شوارع كلها تؤدى إليه، وسميت المنطقة على اسم السكاكينى باشا. تم بناء القصر سنة 1897م على مساحة 2698 مترًا مربعًا مكونًا من خمسة طوابق عدا البدروم، وبه 50 غرفة و400 شباك وباب و300 تمثال، عاش الباشا فى القصر حتى وفاته سنة 1923، وأيضا ورثته حتى قيام ثورة 1952، فوهب أحد الورثة حصته إلى وزارة الصحة، وأما باقى الأسرة فتنازلت عن القصر للحكومة!! فى زيارتى الأخيرة للقصر قيل لى من قبل رئيسة حى وسط للآثار إنه لم يتم التنازل الكلى عن القصر ولكن كان نزعًا للملكية!!!
فى سنة 1961 يتحول القصر إلى أحد مقرات الاتحاد الاشتراكى، ثم يتحول إلى متحف التثقيف الصحى، ويستخدم البدروم كعيادات طبية، وتتعاقب عليه الإدارات حتى أصبح المقر الرئيسى لحى وسط التابع لوزارة الآثار.
القصر الآن فى حالة يندى لها الجبين الإهمال فى كل مكان وشروخ وتصدعات تقريبا فى جميع حوائط وأسقف القصر تماثيل إما اختفت أو هشمت أو فى أحسن الأحوال متربة تبكى حزنا على أمجاد القصر وأيامه، لا يمكن لأى أحد الآن الصعود إلى الطوابق العليا، حيث إنها مهددة بالانهيار، لا يستطيع أن يتحجج أى مسؤول سابق أو حالى بالحجة المشهورة - مفيش فلوس - لأن هذا القصر يستخدم بكثافة فى تصوير المسلسلات والإعلانات وأفلام السينما، وغيرها، مما يدر دخلا يمكن أن يستخدم فى ترميم القصر ولكن السؤال الذى يجب أن يسأل لأى مسؤول أين تذهب هذه الأموال؟؟».
فى المدونة صور رائعة للقصر وصور مبكية لما صار عليه وهو الكنز الأثرى، وما القصر إلا نموذج واحد مما تحفل به المدونة كل يوم، حيث لا يتوقف بصر سالى سليمان عن الإشارة إلى أجمل ما تركه الماضى يتبدد إهمالًا وكسلًا، ومن يدرى ربما تجارة أيضًا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة