تستدعى كلمة «العبور» لمخيلة المصريين معانى كثيرة، تراكمت وتداولت على مدى أربعين عامًا حين عبرت قواتنا المسلحة فى آخر حروبها ضد إسرائيل لاستعادة سيناء، وعبور أهم مجرى ملاحى فى العالم، هذا الحدث الذى أريقت لأجله دماء الشهداء الأبرار، واستعاد جيشنا مكانته الإقليمية، واستثمر السادات انتصاره، ليسترد سيناء بالتفاوض ضمن معاهدة للسلام، لكن الثعلب الذى قاد مصر للنصر دفع عمره ثمنًا للسلام، بيد الذين استخدمهم لقمع معارضيه من المتأسلمين وفى مقدمتهم جماعة «الإخوان المسلمين» التى أبرم معها صفقة، أفضت لاغتياله.
الآن أصبح لكلمة «العبور» معنى جديد، فمصر ومعظم شعبها وجيشها وشرطتها يخوضون «معركة وجودية» ضد الإخوان ومن يصطفون خلفهم، ويتوق الشعب لعبور جديد من دولة الحكم الشمولى والفاشية الدينية لجمهورية جديدة، عنوانها «المواطنة»، وسيفها «سيادة القانون»، ودرعها إيمان المصريين بأن نظام الحكم ليس دولة بوليسية ولا غنيمة للصفوة من «أهل الثقة»، ولا سوطًا على ظهورهم، إذا حاولوا التعبير عن آرائهم. لم يتحقق هذا الحلم الوردى، فمازالت قوى الإسلام السياسى تعيث بأنحاء مصر مواجهات دامية ومناوشات ولم تزل «خريطة الطريق» التى وضعت بعد إطاحة مرسى وجماعته تتنازعها «الذوات المنتفخة» ومحاولات اختطاف قطعة من كعكة انتصار لم يُحسم، فهل نحتاج لمعاهدة سلام مع عدو الداخل هذه المرة، ومن سيدفع ثمنها بافتراض إبرامها؟
لنواجه أنفسنا بالحقيقة، فبؤر الإرهاب الإجرامية تنتشر كالسرطان بربوع مصر، أما عن سيناء فحدث ولا حرج، فعلى رمالها تجرى حرب حقيقية ضد الجماعات الجهادية التى انتهزت فرصة سقوط نظام القذافى فى ليبيا والانفلات الأمنى، لتحصل على ترسانة أسلحة لا تمتلكها سوى الجيوش النظامية، ناهيك عن استغلال الطبيعة الوعرة بسيناء العبء ثقيل، والأزمات المتراكمة طفحت كالدمامل على وجه مصر الذى أنهكته مساحيق التجميل لإخفاء ملامح الشيخوخة التى أصابته، وعرش مصر ملعون، فجميع من جلسوا عليه أصابتهم لعنته، من فاروق لنجيب وناصر والسادات ومبارك ومرسى. وحتى اللحظة تتواصل المعركة الأمنية، وهناك قاعدة استراتيجية مفادها «ألا تحتكم لطاولة التفاوض قبل أن تُلحق بخصمك خسائر فادحة، فيأتيك حاملاً الراية البيضاء، حينها بوسعك أن تفرض شروطك»، حدث هذا للدول العظمى بالحروب العالمية، فما بالك وخصمنا مجرد «جماعة مارقة»، تسعى لإشعال الحرب الأهلية والفوضى، ولعل لنا بتجربة مواجهات التسعينيات عبرةً، فلم يراجعوا أنفسهم إلا بعد كسر شوكتهم، وهذا ما سيحدث مع الإخوان، فلا حوار قبل تفكيك الجماعة.. هكذا بكل وضوح.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة