الانتخابات فى تركيا تلقى بظلالها على الوضع السياسى والإعلامى العام، هناك انتخابات المحليات فى مارس المقبل، وانتخابات المحليات مهمة جدا فى تركيا، لأن نتائجها سوف تؤشر عمليا على أوزان القوى السياسية والاجتماعية فى البلاد، بالطبع لا يزال حزب العدالة والتنمية الحاكم هو الحزب ذو الحظوظ القوية لكى يبقى متصدرا الوضع، بيد أن فلسفة الديمقراطية التى تقوم على أن الحزب الحاكم عليه أن يعود مرة أخرى للجماهير ليخاطبهم ويعيد طرح برنامجه ومحاولة إقناع تلك الجماهير بأنه فيما أخطأ سيعمل على إصلاحه، وفيما يريد الجماهير والإعلام والرأى العام سيعمل جاهدا من أجل وضعه فى اعتباره، فى خططه المستقبلية، الفلسفة هنا تقول إن الانتخابات هى فرصة لكى يستعيد الشعب سلطته مرة أخرى ليصبح صاحب الكلمة الأولى والأخيرة وليتحول الحزب الحاكم إلى حالة كشف حساب ذاتية لما قدم وأخر.
الحزب الحاكم فى تركيا له الأغلبية التى تمكنه من الانفراد وحده بالقرار، آخذا فى الاعتبار وضع المعارضة وما تقدمه من أسباب للمعارضة، لكنه يمضى لما يعتبره أسبابا تعزز شعبيته فى الشارع، خاصة نحن على أبواب الانتخابات المحلية، وبعدها الانتخابات البرلمانية والرئاسية، أى أن العام القادم فى تركيا سيكون عام حسم على مستوى التغيير فى البلاد، حتى الحزب الحاكم نفسه عليه أن يغير وجوهه التى يقدمها للناس فى الانتخابات، والحزب الجمهورى المعارض ذو التوجهات العلمانية التى تحمل ميراث أتاتورك لايزال يعتبر مسألة ارتداء الحجاب من ميرات الأتاتوركية، وأن منعه فى الأماكن العامة هو عنوان للعلمانية، على الجانب الآخر يبدو حزب العدالة والتنمية، وهو يقدم رؤية أخرى أكثر إنسانية للعلمانية، وهى أن من حق من يريد ارتداء الحجاب فله ذلك، فتلك حرية شخصية، وكان البرلمان التركى يمنع على النائبات ممن يرتدين الحجاب من دخوله بالقانون، ومسألة النائبة مروة قاوقجى التى حاولت دخول البرلمان بالحجاب فى النصف الثانى من التسعينيات معروفة وقد تم طردها ومنعها من ذلك لأن القانون يمنع ذلك، ولكن حزب العدالة والتنمية الحاكم قام بتغيير القانون وسمح لأربع سيدات من نائباته أن يرتدين الحجاب وأن يدخلن به البرلمان، كانت السيدات النائبات فى البرلمان ذهبن لأداء فريضة الحج وعدن وقد ارتدين الحجاب.
طرح الموضوع على النقاش العام وقام حزب العدالة والتنمية بتغيير القانون الذى يمنع النائبات من دخول البرلمان، واستطاع لكى يحقق ذلك أن يجذب إليه فى التصويت الأحزاب القومية والأحزاب الكردية والأحزاب الصغيرة، وذلك بجعل نسبة العتبة التى يدخل بها الحزب البرلمان هى خمسة بالمائة وليست عشرة بالمائة كما هو سار الآن، وهذا يعد خطوة على طريق التحول الديمقراطى التركى، لأنه يوسع المجال للقوى والأحزاب الصغيرة للتمثيل داخل البرلمان بعتبة أقل هى مؤشر على تحول ديمقراطى تركى نحو ديمقراطية أكثر ذكاء ودينامية وتمثيلا لمختلف القوى المهمشة والصغيرة، أعطى حزب العدالة والتنمية الحاكم للأحزاب الكردية الحق فى أن تسمى المناطق الكردية بأسمائها الكردية وليست بأسماء تركية، كما أعطاهم الحق فى التعليم باللغة الكردية فى المدارس الخاصة، إذ لا تزال المدارس الحكومية فى تركيا حتى اليوم لا تجعل الكردية إحدى لغاتها، وهذا يعد فى الواقع خطوة جديدة نحو ديمقراطية أكثر إنسانية وأكثر تمثيلا للتنوع داخل المجتمع التركى.