نجح الأهلى فى انتزاع الفرح انتزاعا، وعوض بعضا من الخسائر التى تغرق صدور الناس، نجح الأهلى لأنه يعرف الطريق إلى الهدف، مفاجأة هذه البطولة هو محمد يوسف، الذى بدأ مع الفريق متلعثما ومتهورا أحيانا، ولكنه أثبت فى المباراة الأولى فى جنوب أفريقيا أنه ليس سهلا كما كنت أعتقد، وفى استاد المقاولون العرب استطاع أن يكسب بانتهازية مشروعة، نجح الأهلى وفشل صاحبا الهدفين، فى مفارقة لم تحدث فى تاريخ اللعبة، أحمد عبدالظاهر فى المباراة، تشعر أنه أصبح أهلاويا من لاعبى الأهلى، ونسى الجمهور أنه جاء حديثا من ناد آخر، كان غيورا وناضجا ومزعجا لدفاع الخصم العنيد، أصبحت ملامحة أقرب، أحرز هدف الطمأنينة وجعلنا نسترخى على مقاعدنا، وبدلا من الذوبان فى نشوة التهديف ومتعة تحقيق هدف الفريق والجمهور الذى عاد للمدرجات والملايين خارج الملعب، انحاز بسبب ضيق أفقه لفصيل أصبح خارج اللعبة، ووقف ضد قوانين البهجة، وقلل من شأن الحدث الذى جمع الناس بعد جفوة، ووحد القلوب بعد شتات، جعل المتربصين بالوجدان المصرى يستثمرون أصابعه الأربعة فى حرب الاستعمار ضد بلده، الديلى تلغراف اعتبرت ما قام به دليل انقسام فى المجتمع، «لا تعرف انقسام بين من ومن؟»، ورغم كل هذا فاز الأهلى «المعنى» وحقق رقما قياسيا، وخرج أحمد عبدالظاهر قبل أن يستريح.
قانون اللعبة وضع عقوبة لاستخدام الرياضة فى إكساب أى تعاطف أو رأى سياسى أو طائفى أو دينى، تقضى بوقف اللاعب مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن عام وغرامة يحددها اتحاد الكرة، الأهلى قرر الاستغناء عنه وعرضه للبيع، وسيستخدم اتحاد الكرة سلطاته هو الآخر، وبات على عبدالظاهر الذهاب إلى قطر أو تركيا، لكى يعبر عن انحيازه السياسى على راحته، وربما استقبله اردوغان وأشاد بنضاله، وقد تصبح صورته رمزا من رموز النضال ضد الشعب المصرى المتوحش، الذى يموت جنوده كل يوم فى سيناء، عندما رفعت جماهير بشتكاش التركى لافتات ضد سياسات أردوغان تزامنا مع مظاهرات ميدان تقسيم، تدخلت السلطات العثمانية، وأجبرت المشجعين على توقيع تعهدات عند شرائهم تذاكر فريق بشتكاش الملقب بالصقور.
أنا لست زعلانا من عبدالظاهر، ولكنى حزين عليه، لأنه قامر بمستقبله من أجل بطولة تخصه وحده، وانسلخ عن روح اللعبة التى نبحث من خلالها عن مناطق خضراء للارتجال، بعيدا عن القضبان الحديدية التى تحاصر أشواقنا، كرة القدم ثقافة، وانحياز للمناطق الفطرية داخل اللاعب وداخل جمهوره، هى إعادة إنتاج حيل الطفولة والصبا من جديد، عبدالظاهر حر فى قناعاته، ولكنه فى الملعب لا يمثل نفسه، هو يمثل شيئا آخر نبيلا خلقت الرياضة من أجله، فرط فيه اللاعب، أما الموهوب أبوتريكة صاحب الهدف الأول والذى لم يتسلم ميداليته لأن طاهر أبوزيد يمثل حكومة الانقلاب وقراره اعتزال اللعبة يعرف أن ماردونا النيل رجل شريف، لم يتورط فى الفساد الأهلاوى الرسمى، وأنه عنوان جميل للرياضة المصرية، لم يمش فى زفة جمال وعلاء ولا من جاءوا بعدهما، أبوتريكة أبدع لنا لحظات عظيمة، ولكنه وهو فى طريقة إلى العزلة، راهن على الكوابيس التى تخلص منها جمهوره قبل أربعة شهور.